بلال عبود
على سطح منزله في منطقة الجناح يمضي الحاج أبو علي الحسيني (65 عاماً) أوقات فراغه. يتفرّغ في إحدى الزوايا لمشروعه الكبير وهو بناء قارب بحري صغير، مستعيناً ببعض الأدوات البسيطة، ومستفيداً من وفرة الأخشاب في المنشر القريب من بيته.
أبو علي يسكن «في الحي منذ أكثر من ثلاثين عاماً»، وهو يعمل في مجال تعهدات البناء «وكل ما له علاقة بالأخشاب»، كما يقول. «للسيد أبي علي»، كما يطلق عليه أهل منطقته، 16 ابناً وابنة ولديه من الأحفاد ضعف هذا الرقم. وهو يرى أنهم إنجاز كبير في حياته.
«فلسفة» الحاج الحسيني في الحياة بسيطة، وتتعلق بكيفية التعاطي مع الآخرين وتنص على ضرورة «الابتعاد عما يثير النزاع» وعما قد يؤدي إلى حدوث الخلاف. والمال شيء ثانوي، فـ«المهم أن تكون الصحة جيدة والبال مرتاح»، والحسيني يتميز بروحه المرحة وتعاطيه الجيد مع الآخرين. وأحبّ شيء إلى قلبه أيام العطل يوم تجتمع العائلة في منزله.
انطلاقاً من رؤيته هذه يبتعد «أبو علي» عن جلسات الأصحاب في هذه الأيام، نظراً إلى ما تسببه من «وجع راس»، فمع تزايد الانقسام السياسي في البلد أصبحت معظم الجلسات مع الجيران والأصدقاء تتطرق حكماً إلى مواضيع الخلافات السياسية، ما يُحدث مشكلة لأن كل شخص يرى في ما يقوله الحقيقة المطلقة «ولا يمكنك أن تجادل أحداً في قناعته».
يلجأ الحسيني إلى سطح منزله حيث يجد السكينة وراحة البال ويشغل نفسه ببعض الأشغال اليدوية، وأبرز ما يقوم به في هذه الأيام هو عملية بناء هذا المركب الصغير أو «الشختورة»، كما هو متعارف على تسميته بين الخبراء في شؤون البحر.
يستخدم أبو علي في عملية البناء مهارته في التعامل مع الأخشاب، وهي مهارات كسبها خلال سنوات طويلة من العمل في مجال البناء وصناعة الأثاث، إلا «أن بناء قارب شيء مختلف كلياً عن عملي القديم» و«هي مثلها مثل الصيد تحتاج إلى الصبر»، كما يوضح السيد، ويضيف أنه «يقوم بكل العمل لوحده»، وقد يساعده أحد أبنائه وأحفاده، وذلك عبر إحضار بعض الأخشاب أو توفير «المفكات» وغيرها، ولكن لا أحد يتدخّل في مشروع التركيب والجمع وإلى ما هنالك من مراحل التصنيع.
لا يحدد أبو علي موعداً يُنهي فيه مشروعه، فهو يأخذ وقته من أجل أن يكون العمل دقيقاً وليبقى بعيداً عما يسميه «طوفان الأحاديث الطائفية»، ولكنه يجزم بأن مركبه أصبح في المرحلة ما قبل الأخيرة.
أبو علي مشغول بإعداد «الشختورة»، غير أنه لم يقرر بعد إن كان سيحتفظ بالقارب أو يبيعه، وهو في الوقت الحالي يستبعد فكرة بيعه، «فهو يمثل أكثر من مجرد تجميع لأخشاب» ولم يكن الهدف من تصنيعه تجارياً. إلا أن هناك مشكلة ستواجهه عند الانتهاء من تنفيذ المشروع، وهي كيفية إنزاله من على سطح منزله، ويقول إنه حين ينتهي من التصنيع سيفكر بكيفية نقل القارب.