خالد صاغية
كلّما بانت بوادر معركة انتخابيّة، استنفر الصرح البطريركيّ. يصرخ المطارنة محذّرين من أنّ وحدة الصفّ مهدّدة. والمقصود طبعاً وحدة الصفّ المسيحيّ. لكن، ما وظيفة السياسة أصلاً إلا تهديد وحدة الصفّ، وما وظيفة الانتخابات إلا تنظيم الاختلافات السياسية بشكل سلمي؟
يبدو كأنّ البطريرك يشعر بالغيرة من طوائف أخرى. يريد أبناء طائفته برأي واحد، وزعيم واحد. وكلّ ذلك من دون أن يتزحزح إيمان البطريرك وحماسته للنظام الديموقراطي البرلماني، وللسيادة، وللحريات. فيبتدع البطريرك خلطة عجيبة تتلخّص بديموقراطية من دون تهديد وحدة الصفّ. ماذا يعني ذلك؟
إنّه يعني ببساطة أنّ الزعامات السياسية المسيحية لا دور لها، وأنّ اختلافاتها ثانوية أمام المصلحة العليا للطائفة، تلك المصلحة التي يحدّدها الصرح البطريركي وسيّده في بكركي. إنّه نوع من الحنين إلى الحقبة السورية حين كان زعماء مسيحيّون منفيّون أو مسجونون، فأدّى البطريرك دور الزعيم السياسي الأوحد لطائفته.
ويعني ذلك، ثانياً، أنّ الديموقراطية مطلوبة لحسم الخلافات السياسيّة، لكن بين الطوائف، لا داخل الطائفة الواحدة. فمن المسموح به والمرغوب أن تتمسّك كلّ طائفة برأيها السياسي؛ أمّا الممنوع، فأن تنشأ آراء مختلفة داخل طائفة معيّنة. هكذا تصبح الانتخابات تنظيماً للاختلافات بين الطوائف ليس إلا، وتصبح الأحزاب والأفراد أبواقاً لزعامة الطائفة أو خارجة عن السويّة الاجتماعيّة.
المسيحيّون في لبنان منقسمون سياسيّاً. ربّما كانت هذه الرسالة الأهمّ لأبناء الطوائف الأخرى. رسالة أكثر أهمية من عظات الأحد.