تبدو الإمارات العربية المتحدة، وعلى وجه الخصوص إمارة دبي، نقطة جذب وتلاق للثقافات، وواحة مستقرة ومزدهرة وسط شرق أوسط مضطرب، إلا أن هذا «المجد» ليس من دون ثمن بالنسبة إلى المواطنين «الأصليين».فبعد أن أصبحوا يشكلون بالكاد خمس السكان في بلادهم التي يعيش فيها أكثر من أربعة ملايين نسمة، يواجه الإماراتيون هاجس نمو أعداد الوافدين، فيما يخشون أن يحوّلهم هذا الخلل إلى جماعة تشبه «الهنود الحمر» في الولايات المتحدة الأميركية، كما يقول بعض المحللين.
ويشكّل الوافدون من الهند الجالية الأكبر في الإمارات، وأعدادهم تصل إلى حدود 1.3 مليون نسمة، يضاف إليهم الوافدون من باقي دول جنوب شرق آسيا والإيرانيون والعرب والغربيون.
وفي مظهر آخر من مظاهر فقدان الدول الخليجية لهويتها، تعدُّ اللغة الإنكليزية اليوم اللغة الشائعة في الإمارات (ولا سيما في دبي)،لا اللغة العربية.
وفي آخر تقرير أصدره «مركز دبي للإحصاء» يقول المحللون إنه إذا ما استمر خلل التركيبة على هذه الوتيرة، فقد لا يشكل المواطنون في الإمارات السبع أكثر من 2% من السكان في عام 2025. ومع تداول بعض الصحف المحلّية هذه القضية بكثرة أخيراً، ظهرت مخاوف جدّية لدى المواطنين، ما دفع بالحكومة الإماراتية إلى تشكيل «هيئة لمعالجة مشكلة خلل التركيبة السكانية». وقد أعدّت هذه الهيئة استراتيجية عمل أشارت بوضوح
إلى أنه «يمكن الاستغناء بشكل فوري عن عدد كبير من العمال المخالفين والعمال المؤقتين ومن الفائض في عدد عمال المنازل»، كما شرحت الهيئة في استراتيجيتها تلك أنّ «عملية «التوطين»، أي تعزيز وضع الإماراتيين في سوق العمل، إنما يجب أن تتماشى مع قواعد السوق». كما يمكن «إعادة هيكلة الاقتصاد باتجاه اقتصاد المعرفة أن تسهم على المدى البعيد في الحد من الخلل السكاني».
وقد سعت بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية إلى إطلاق حملات هدفها «تعزيز الهوية الإماراتية» كبرنامج «وطني»، الذي أطلق أخيراً قصّة مصوّرة بطلها إماراتي يدعى «عجاج»، وتقوم بنشاطات عديدة كالمخيمات الصيفية والندوات بهدف «تواصل الهوية الوطنية الإماراتية مع المجموعات الأخرى بغية التوصل إلى التناغم في ما بينهم» كما يقول أحمد عبيد المنصوري المنسق العام لبرنامج «وطني». ويضيف المنصوري أنّ «الناس بدأوا يستخدمون العلم الإماراتي والرموز الوطنية الأخرى في شعاراتهم التسويقية وحملاتهم الدعائية، وذلك ينطبق على الشركات المحلية وعلى الشركات المتعددة الجنسيات، ما يعدُّ مؤشراً إيجابياً يعد بتقدم لاحق». وبينما تتزايد مطالبات بعض المحللين السياسيين والاقتصاديين في الإمارات لاتباع نظام تجنيس حسب شروط معينة للمقيمين، إضافة إلى كوتا تحدد عدد الوافدين إلى الامارات سنوياً والمقيمين فيها، يرى البعض الآخر أنّ هذه الخطوات تلزمها قرارات حاسمة وسريعة، وخاصة في وضع حساس وخطير كحال مدينة دبي التي تستقبل 800 مقيم جديد يومياً!
(أ ف ب)