خالد صاغيّة
أصدقائي في نهر البارد،
لا أعرف وجوهكم، لكنّي أستطيع أن أتخيّلها. أعرف أنّ خمسة آلاف منكم لا يزالون داخل المخيّم. بعضكم تنتابه رغبة في البكاء. وبعضكم الآخر يشعر بالجوع. وبعض ثالث يتساءل: مَن مِن اللبنانيّين لم يتبارَ بعد على قتلنا؟
لا أعرف وجوهكم لأنّه منذ أن شقّت الدولة اللبنانية ذاك الأوتوستراد، صار بإمكاننا أن نعيش حياة كاملة من دون أن نرى ملامح أيّ منكم، تماماً كما صار بإمكان القادمين إلى بيروت أن يمضوا أيّامهم داخل الأنفاق الحديثة من دون أن يروا وجهاً للفقر أو للشمس.
لا أعرف وجوهكم، لكنّي أستعيد أحياناً بعض الصور من الثمانينيات حين كان المخيّم ممرّاً للعابرين إلى شماليّ الشمال. أذكر عربات الخضار ودكاكين اللحّامين والحفاة بين الأطفال ولافتة ذاك المطهّر القانونيّ. أذكر أسئلتي عن المخيّم الذي اسمه مخيّم، ولا خيم فيه، وعن الطرقات التي اسمها طرقات، ولا مساحة لها.
لا أعرف وجوهكم، لكنّي أذكر جيّداً أبو فارس، الشرطيّ الذي جاء من حيفا إلى شمال لبنان. سكن أبو فارس في ميناء طرابلس، وسكن قلبه في المخيّم. اتّهموه ذات يوم أنّه يتعاون مع أبو عمّار. ومن السجون السورية، حمل آثار التعذيب وسنيه الخمس والسبعين إلى أوستراليا.
رحل أبو فارس في المنفى. على حائط غرفته، وُجدت صور لنجوم كرة القدم، وملصق لخليل عكاوي، القائد الإسلامي، الماركسي، الذي كان آخر من أحبّ طرابلس وفقراءها... وآخر من دافع عن فلسطينيّيها.