دمشق ــ خليل صويلح
عبث مجهولون بقبر الروائي العربي عبد الرحمن منيف قبل أيام. وفوجئت أرملته سعاد محمد قوادري خلال زيارتها لمقبرة الدحداح في دمشق بأن القبر تحوّل إلى حطام تام. ولم تتبين أسباب مثل هذا العمل.
الفاعلون مجهولون لكن الشكوك تدور حول حارس المقبرة الذي ربما عبث بالمقبرة بقصد بيع القبر، وخصوصاً مع ارتفاع ثمن القبر في دمشق حتى بلغ300 ألف ليرة سورية (ستة آلاف دولار).
أثارت هذه الحادثة استهجان الوسط الثقافي السوري، لكن الجهات الرسمية لم تفسر الأسباب الحقيقية وراء حدوثها، وإن استبعد الجميع تورط جهات أصولية في ارتكاب مثل هذا الفعل.
وكان الفنان السوري بسام كوسا قد صمم الضريح باستعمال الرخام الأبيض، وحفر اسم الروائي الراحل على مخطوط كتاب يحمل تاريخ وفاة عبد الرحمن منيف في 24 كانون الثاني 2004، بعد معاناة طويلة مع المرض، إذ كان يعاني قصوراً كلوياً مزمناً ويخضع للعلاج الدوري.
عاش منيف سنواته الأخيرة في دمشق، بعد رحلة تيه طويلة من نجد إلى العراق وباريس والأردن وسورية، هو المولود عام1933 في تخوم الصحراء الأردنية لأب من نجد وأم عراقية. وقد اتسمت حياته بمواقف راديكالية وزّعته على المنافي، بعدما أُسقطت عنه الجنسية السعودية.
درس عبد الرحمن منيف الحقوق و«اقتصاديات النفط» في يوغوسلافيا، وانخرط في العمل السياسي باكراً، لكن هزيمة 5حزيران زلزلت قناعاته في إمكان إحداث تغيير في المجتمعات العربية، فاعتزل السياسة في الأربعين وارتمى في أحضان الأدب. في باريس كتب «الأشجار واغتيال مرزوق» وهي أول رواية منشورة له (1973). وكانت بمثابة صرخة احتجاج في وجه النكسة والهزائم المتلاحقة التي أصابت العقل العربي بالعطب.
ولعل روايته «شرق المتوسط» كانت من أوائل الروايات العربية التي أوغلت في كشف ذلك النفق المظلم للتعذيب السياسي والقمع والتنكيل. في الرواية ذاتها يذكّر منيف ببنود «حقوق الإنسان» المهدورة في منطقتنا، وحين وجد أن صرخته في وادٍ، والقمع العربي في وادٍ آخر، عاد وكتب «الآن هنا.. شرق المتوسط مرة أخرى».
ارتبط الشغل الروائي لصاحب «سباق المسافات الطويلة» بتأصيل نص الصحراء، فكانت روايته «النهايات» من الأعمال العربية المبكرة في فحصها واختبارها كفضاء روائي. عمله المهم كان خماسية «مدن الملح» التي كشفت هشاشة المدن التي تقوم على «لعنة النفط».
منذ الحصار الدولي على العراق ازداد ألم عبد الرحمن منيف، فأرّخ لمتاهة «أرض السواد» في مدوّنة ضخمة تستعيد حضارة موغلة في القدم ذهبت فجأة أدراج الرياح العاتية.
كان صاحب «مدن الملح» يردد في أيامه الأخيرة: «إذا حل الموت تنتفي الحاجة إلى الكلمات»، لكن حادثة تدمير قبر عبد الرحمن منيفربما تثبت العكس أحياناً، إذ لم يخطر في باله بالتأكيد، أن الحاجة للكلام ضرورية حتى بعد الموت، ولا بد من أن نردد ما قاله منصور عبد السلام في «الأشجار واغتيال مرزوق» إثر هزيمته «العالم لا يحتاج إلى التدمير. لقد فسد كل شيء فيه، تفتتت خلاياه، تعفّن، ولم يعد ممكناً إصلاحه أبداً».