ملاك خالد
كثرت صور الصغار الفلسطينيين الذين يواجهون الدبابات الإسرائيلية بالحجارة، واحتلت منذ انطلاقة الانتفاضة الأولى صور شاشات العالم كله. ومن الصور التي لا زالت محفورة في الذاكرة تلك التي التقطها مصورون أجانب للصغير رمزي أبو رضوان عام 1987 وهو مندفع لا يرى من حوله ولا يحيد عن هدفه، هدف أن يرمي الجنود الإسرائيليين بحجارته.
رمزي الذي حفظنا صورته صغيراً، عاد ليحتل مركز الصور وصار يحمل بين يديه آلة الكمان. هو من مخيم الامعري ــــــ البيرة، جذبته الموسيقى وهو في السابعة عشرة وتعلم العزف على الكمان في فلسطين بداية، ثم انتقل الى فرنسا وتابع دراسة أكاديمية مكثفة في معهد أونجيه لتعليم الموسيقى.
فتى الانتفاضة الأولى عاد إلى فلسطين قبيل الانتفاضة الثانية عام 2000، ومعه مجموعة من العازفين الاوروبيين، وألّف معهم فرقة «دلعونا». وتساهم هذه الفرقة في إنجاح مشروع هدفه تعليم اطفال فلسطين العزف على مختلف الآلات الموسيقية، وتنظم الفرقة لهذه الغاية ورش العمل.
وقد جرى تطوير العمل في إطار هذا المشروع، ففي عام 2005 أنهى مركز المعمار الشعبي ــــــ رواق ترميم منزل قديم جداً تعود ملكيته لعائلتي خلف وغانم في رام الله ليكون مركزاً لـ«الكمنجاتي» أو «المشروع ــــــ الحلم» كما يسميه رمزي.
ويعجّ مركز «الكمنجاتي» بأكثر من 250 من العازفين الصغار الذين يأتون إليه من مختلف مدن الضفة الغربية وقراها. ومع بداية العام الجاري افتتح في جنين مركز آخر لمشروع الكمنجاتي ليكون بإمكان عدد أكبر من اطفال فلسطين أن يعزفوا تجاربهم وحياتهم وتفاصيلهم بإشراف عازفين محترفين من اوروبا وفلسطين.
وينظّم رمزي وأعضاء «الدلعونا» ورشاً موسيقية في القرى والمدن التي لا يستطيع اهلها الوصول الى رام الله بسبب حواجز الاحتلال الاسرائيلي مثل مخيم الجلزون، وقلنديا، وقرى دير غسانة، وبيت ريما، والبلدة القديمة بالقدس.
آلات رمزي ورفاقه «لا تنكس» رغم حواجز الاحتلال الطيارة «اي التي تقام فجأة على اي طريق او مدخل للمخيمات المحاصرة»، بل يصرّون على العزف عليها ليبعثوا قليلاًُ من الفرح في قلوب أولئك الذين ينتظرون ساعات خلف الحواجز.
«هي الموسيقى رسالة حضارية نعزز فيها مقاومتنا ضد الاحتلال»، تقول سيرين داغر مديرة «الكمنجاتي». موسيقى تتحدى البساطير والخوذات، وتكسر القيد على حرية التحرك المفروضة من الجنود، وتفرض عليهم حواراً من نوع آخر، هم الذين لا يعرفون الا الحوار بلغة البنادق ومكبرات الصوت الداعية الى فرض حظر التجوال.
المتابعون لحفلات رمزي وفرقته يعرفون أن هؤلاء ينتجون مقطوعات موسيقية تستحق الالتفات والاحترام، ويمثّل رمزي مثالاً جديداً يساهم في تغيير التقليدية للفلسطينيين كما تحاول أن ترسمها وسائل الإعلام الغربية، فالفتى الذي حمل الحجر صغيراً لن يتسرب من المدرسة، بل صار موسيقياً يواجه كل المصاعب التي يفرضها جيش الاحتلال ليزرع الفرح في قلوب الصغار والكبار، وليؤكد أن المقاومة تكون بالحجر والبندقية... وبالموسيقى أيضاً.