عُبادة كسر
«أريده مغايراً لكل القبور» هكذا يشرح أبو علي، أحد سكّان منطقة بعلبك، «ظاهرة» العمل الذي يقوم به كل صباح، حيث يستيقظ باكراً ويتوجه إلى المقبرة ليحفر قبره بيديه مستخدماً منكوشاً ورفشاً.. وبقدر غرابة هذا الأمر يدهش هذا الرجل الذي يبلغ 58 من العمر، بمدى اقتناعه بما يفعله «إكراماً لآخرته».
للقبور مواصفات ويريد أبو علي قبره «نوعياً من حيث مواصفاته وموقعه والمواد المتوافرة فيه»، فهو يحفره مثلاً بعيداً من كل قبور الأقارب والأهل، وقد اختار مكانه تحت مجموعة من الشجر قريباً من حاووز المياه لأنّه يسعى «لتحويل محيطه إلى حديقة جميلة تختلط فيها ألوان الورود» التي سيقوم بزراعتها عندما ينتهي من حفر القبر. ولكونه مولعاً بزقزقة العصافير اختار أبو علي تحديداً هذا المكان «لكي تكون غفوته الأبدية على وقع أنغام العصافير»!
أما بالنسبة إلى طول القبر فهو يعمل جاهداً كي يتخطى مترين ونصف متر. وإذا لم يتمكن فسوف يكتفي بمترين ونصف متر طولاً ومتر واحد عرضاً، ويقول: «أريد أن أهنأ بنومي من دون أن أكون مزروكاً ضمن مساحة صغيرة». أما الحجارة (اللبن) فسوف يختارها شخصياً وسيرصفها كما يجب «حتى لا تنهار عليه وهو يسكن في الداخل». يضيف: «عندما يُتوفّى أحدهم يسارع الأقارب والناس إلى حفر القبر من دون الأخذ بعين الاعتبار تلك النقاط والمواصفات التي أسعى الى تحقيقها، وخاصة في ما يتعلق برصف اللبن إذ قد تنهار الحجارة على الميت بعد ردم الحفرة». لذلك أراد أبو علي أن «يهنأ في قيلولته الأبدية، من دون إزعاج أشعة الشمس وتطفّل الناس ونحيبهم من حول قبره»، فهو يفضّــــــل أن يُدفـــــــن وحيداً بعيداً من الناس «لأنه عاش حياةً حافلةً بالضجيج».