نقولا أبو رجيلي
لا تنام ميرا جارودي ابنة الثلاث سنوات قبل سماع حكاية سياسية من والدتها. تحمل«قنينة» الحليب التي اعتادت عليها وتطلب من أمها حكاية سياسية يومية. وعبثاً تحاول الوالدة سرد قصص عن الطيور والحيوانات الأليفة علّها ترضي ذوق طفلتها، لكن دون جدوى.
تعيش ميرا في البقاع الأوسط وتتابع نشرات «الأخبار» طوال النهار من خلال جهاز التلفزيون مع جدها أبي ابراهيم. يتنقل الرجل العجوز من محطة إلى أخرى لمتابعة الأخبار وتصاريح الزعماء، وبما أن العجوز يؤيد أحد التيارات السياسية فهو يشتم أحياناً بعض السياسيين.
تتكرر الصور والمشاهد أمام الطفلة، وقد صارت تعرف من يحب جدها ومن يكره، ورسخ في ذهنها بأن التيارات السياسية تحب لبنان، والآخرين «مش حلوين»، وتردد ذلك مع كل ظهور لأي زعيم أو محلل سياسي بعد ان تسأل جدها «هيدا بيحب لبنان»؟ إذا كان الجواب «نعم» تحييه الطفلة من خلال شعار جدها السياسي بواسطة أصابع اليد وهي علامة الرضا، أما الأشخاص الآخرون فيكون جوابها: «هيدا مش حلو، شيلو عن التلفزيون». وأحيانا تعمد إلى إقفال الجهاز بنفسها.
والدة ميرا التي تكره السياسة وأهلها تضطر كل مساء لنسج حكاية من خيالها لترضي الطفلة قبل النوم، ولا تألو جهداً لتجميل صورة جميع السياسيين، وتختم كل رواية بنهاية سعيدة تقول فيها «إن السياسيين يحبون لبنان ويعملون على تحسين الأوضاع والعمل على بناء مستقبل زاهر للأطفال». تغضب الوالدة كثيراً حين تناقش والد ميرا، فهو لا يحاول منع ابنته من متابعة نشرات الأخبار، وتقتصر ردة فعله على الاستلقاء على الفراش والضحك مع كل رواية خيالية تبتكرها الوالدة، وتفرحه كثيراً ردود الفعل البريئة التي تبديها ابنته.