خالد صاغيّة
ذات يوم، وبعد حرب أهليّة مديدة، ارتأى اللبنانيّون أنّهم إخوة. صافح بعضهم بعضاً، وأشاروا بأصابعهم إلى ذاك الفلسطينيّ الذي جاء ليفتن بينهم. سجنوه داخل بضعة أمتار مربّعة. أقفلوا المخيّم جيّداً، ومنعوا عنه الهواء.
ذات يوم، وبعد صراع سياسيّ حادّ، بدأت أصوات تعلو من أفاعي السلطة وصقور المعارضة لتحميل ذاك المخيّم الصغير مسؤوليّة وصول البلاد، مرّة أخرى، إلى حافة الهاوية. والفريقان لا يفتقران إلى شخصيات وأحزاب ذات باع طويل في التعاطي العنصريّ مع «الغريب»، ومع الفلسطينيّ خاصة.
ولم يخفّف من حماسة هؤلاء عدد القتلى المدنيّين الذين يتساقطون على أرض المخيّم البارد. ولم يسهم في كمّ أفواه دعاة «تنظيف البيت الفلسطيني» أنّ «فتح الإسلام» ليست إلا إحدى المجموعات الإسلامية المتطرّفة المنتشرة خارج المخيّمات، كما داخلها. ولم يحدّ من تلك التصريحات المعادية للفلسطينيّين أنّ تقارير عدّة تتّهم جهات لبنانيّة نافذة في تمويل هذه المجموعات. ولم يطرح أيّ من المستفيقين على عنصريّتهم العريقة قضيّة إهمال الدولة المتعمّد لمناطق لبنانيّة بأكملها، لتبقى مطيّة سهلة في المواسم الانتخابيّة التي كانت السلطة تديرها من أروقة الفنادق الفخمة.
إنّ للانقسامات السياسيّة الحادّة أثماناً باهظة في مجتمعات لا تكاد تجمع على شيء. وللسياسات الاقتصادية المسرفة في وحشيّتها أثمان باهظة في مجتمعات تغيب عنها التقديمات الاجتماعيّة. ثمّة إشارات إلى أنّ الفوضى في لبنان انطلقت. فتح ــــ الإسلام ليست سبباً. إنّها مجرّد قشرة طفت على السطح.