صباح أيوب
هل تعرفون تفاصيل «الرحلة» التي يقطعها القميص الذي ترتدونه قبل وصوله إليكم؟ هل تعرفون قبل أن ترتدوه ما هي الظروف التي رافقت ولادته وصناعته؟ من صنعه؟ وأين؟ وبأية كلفة؟ وكيف تمّ تسويقه؟ وكيف تداخلت السياسات الدولية مع اللوبيات الاقتصادية وسياسات السوق فيه قبل وصوله الى المحال التجارية؟ هذه الأسئلة لا تؤرقنا ونحن نرتدي ملابسنا الجديدة، لكنها راودت الكاتبة والأستاذة المتخصصة في الاقتصاد الدولي بييترا ريفولي في جامعة Georgetown في الولايات المتحدة.
لم تتوقف ريفولي عند حدود التساؤل بل قرّرت أن «تتعقّب» مسار قميص حلّ في أحد المحال التجارية، وتواكب مشوار ولادته وتصنيعه منذ إنتاج القطن الى حياكته... انتهاءً بوصوله الى رفوف المحال التجارية ومنها إلى الزبون.
أصبحت رحلة ريفولي أو القميص مدوّنة في كتاب صدر أخيراً عن دار Fayard للنشر بعنوان «مغامرات قميص في الاقتصاد المُعَولم»، حيث اكتشفت الكاتبة وأستاذة الجامعة أنّ ما يُدرّس في الكتب في الجامعات الأميركية عن فوائد الاقتصاد المُعولم وتروّج لها وسائل الإعلام، أمر لا يمتّ للحقيقة بصلة، بل على العكس فإنّ سياسة الاقتصاد الحرّ تعود بالفائدة فقط على الدول الغنيّة والمتمكّنة اقتصادياً على حساب الدول الفقيرة.
تبدأ الرحلة من حقول القطن في ولاية تكساس الأميركية، حيث تصف الكاتبة المنطقة الشاسعة والمُقفرة حيث يُزرع القطن في ظروف مناخية ليست مثالية، ما يؤثّر سلباً في جودة القطن الأميركي ونوعيته، وتؤكد ريفولي أن القطن الذي تنتجه بعض دول «الجنوب» الفقيرة أكثر جودة ونوعيته متميزة مقارنة مع القطن الأميركي، وعلى رغم ذلك تفرض الولايات المتحدة الأميركية قطنها على الدول المصنّعة خارقةً بذلك قواعد الاقتصاد الدولي.
وتتابع الأستاذة الجامعية الرحلة حتى مرحلة التصنيع في المصانع الإفريقية أو الصينيّة حيث تُمضي العاملات ثماني ساعات يومياً خلال ستة أيام في الأسبوع مقابل أقلّ من 100 دولار في الشهر. وبعد الحياكة والتصنيع، تصل الى التوزيع الذي يُبرمَج أيضاً وفق الكوتا التي تفرضها الاتفاقات التجارية بين الولايات المتحدة وبعض الدول بغية التحكّم بالكميّات التي يمكن إدخالها الى أسواق تلك الدول. وأخيراً الى السوق الداخلية وتوزيع السلع على التجّار وتحديد سعر القميص، حيث تتداخل أيضاً السياسات المحلّية ومجموعات الضغط التجارية.
تستنتج الكاتبة أخيراً أنّ ما يتحكّم بالسوق والسلع فعلياً ليست المنافسة التجارية «البريئة» بل السياسات الدولية التي تُمسك بالعلاقات الاقتصادية من أصغر تفاصJيلها. وتُفصح الكاتبة أنّ ما كانت تعلّمه لتلامذتها في قسم الاقتصاد هو «بعيدٌ جداًَ عن الواقع»!
ريفولي الأميركية ركبت البحر لتبحث عن منابع القميص فاكتشفت عالماً تتحكم به قوانين السوق الظالمة. وتلاقت من خلال رحلتها مع رؤى المناهضين للعولمة وأطروحاتهم حول اقتصاد السوق والسياسات النيوليبرالية.
والجدير بالذكر أن الرحلة المشوقة للأستاذة الأميركية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها كثيرون إلى مغامرات مماثلة. ومن أبرز ما كُتب في هذا الصدد كتاب شهير للصحافية الكندية نعومي كلاين «No Logo».