آمال خليل
قبل 58 عاماً حمل محمد ترجمان الكاميرا والتقط الصورة الأولى في مسيرته المهنية. بلغ الرجل 81 عاماً ولم يرم الكاميرا، فهو لا يزال يمارس مهنته في ستديو رمسيس الذي يملكه منذ عام 1959 ويقع في شارع ريفولي في مدينة صور.
هو ابن صيدا حيث ولد ونشأ، لكن صور هي أيضاً مدينته، فقد وصل إليها شاباً «ليسترزق» ولم يتركها في أحلك الظروف. وقد احتفظ «بحق ملكية ملايين الصوَر» التي التقطها لمدينة صور منذ عام 1949 مؤرّخاً فيها لتاريخ المدينة الأبيض والأسود بجميع الألوان حتى عام 1994 «حينما لم يعد هناك مناظر تستحق التصوير»، لكنه يلفت إلى أن كثيرين من لبنان والعالم استخدموا صوره وتاجروا بها من دون إذنه أو علمه.
عمل ترجمان لحساب الصحف التالية: «الهدف» و«التلغراف» و«البيرق» لنسيب المتني، وذلك لفترات محدودة. لكن العائد إلى تاريخ صور لا بد من أن يحتاج إلى صور ترجمان التي تسجّل يومياتها وخصوصاً فترة نزوح الفلسطينيين إليها إثر النكبة وخلال ثورة 1958 التي شارك فيها وشغل منصب الأمين لمخازن الذخيرة، الأمر الذي سهّل تنقّله بين الثوار العروبيين ووراء متاريسهم ودشمهم لتصويرهم. وتحفظ عدسته كل زاوية من معالم عروس الجنوب الطبيعية والعمرانية التي تغيّر معظمها، وتحفظ أيضاً صيّاديها وبحرها الذي يتحسّر «على جزء كبير منه ردم وشيّد فوقه الكورنيش البحري والطريق الساحلية وبنايات لا حياة فيها» لأن ترجمان كان المصوّر الوحيد في زمانه وكان يشاركه من حين لآخر أنيس السوسي ابن صيدا. وفي الثمانينيات من القرن الماضي « كثر المصورون الذين يفتقد عدد كبير منهم الحرفية والمهنية لأن الآلات الحديثة لا تحتاج إلى الجهد الكبير الذي كان يبذله لالتقاط صورة واحدة، ثم يذهب إلى صيدا على متن درّاجته الهوائية تحت المطر والشمس، لتظهيرها وطباعتها، لأن الكهرباء لم تكن قد أنارت صور بعد، قبل أن يصبح أول من استخدم البطارية لطباعة الصور في صور».
يستاء ترجمان من آلات التصوير والتظهير الحديثة التي تظهّر الفيلم في ثلاث دقائق والتي تملأ الاستديو عنوة عنه ولم يتعلم كيفية استعمالها، بل تركها لابنه إبراهيم واكتفى هو بزاوية صغيرة جانبية يصوّر فيها بالأبيض والأسود بعدّة تصوير وتحميض وتظهير تؤلف الآن تحفاً تسجّل مراحل تطور فن التصوير وأدواته منذ عام 1890.
فن التصوير لم يكتسبه ترجمان من مدرسة أو معلّم، بل من صديقه المصور الذي كان يزوره في مصنع الألبان حيث امتهن المهنة الأخيرة قبل أن يصبح مصوّراً بعد أن كان سنكرياً وحلاّقاً و«كندرجياً». لكن منذ صغره كان مهووساً بالتصوير والصور، إذ كان يشتري أي كاميرا يجدها أو مجلة أجنبية، حتى امتلأت خزنته بآلاف الصور للحربين العالميتين ولمدينتي صور وصيدا التقطها مصوّرون فرنسيون التقاهم خلال زياراتهم؛ قبل أن يفتك اجتياح عام 1982 بمعظم أرشيفه.
بلغ ترجمان 81 عاماً، وحضر أخيراً حفل تكريمه الأول في صور الذي نظّمه نادي التضامن بالتعاون مع موقع «يا صور»، خلال اختتام معرض صوَر عن مدينة صور.