strong>محمد شعير
افتتح الأحد الماضي مبنى دار الكتب أو “الكتبخانة” في وسط العاصمة المصرية بعدما خضع لأعمال ترميم استمرت ست سنوات، ويأمل المهتمون أن يؤدي دوراً حيوياً في الحياة الثقافية في مصر.
كان من أبرز المعالم في القاهرة لعقود طويلة، وكان تحقيقاً لحلم الخديوي إسماعيل بأن تصبح القاهرة “باريس الشرق”. ومن أجل تحقيق هذا الحلم لم يستدِن أموالاً بل أفكاراً ومهندسين ومخططين من مدينة الأنواراستدعى الخديوي وزيره للمعارف علي باشا مبارك وحدّثه عن حلمه، ذاكراً أن في باريس “مكتبة وطنية” تمثل ذاكرة المدينة، فلماذا لا يكون لها صرح مشابه في مصر. وهكذا كانت البداية عام 1870 بعدما خصص الخديوي أكبر القصور مكاناً لها.
سرعان ما توسعت المكتبة إذ ضُمت إليها أقدم مكتبة مصرية أو “قولة” التي أسسها محمد علي باشا، وضمت أيضاً المكتبات الخاصة بكبار علماء ذلك العصر ومثقفيه مثل عمر مكرم والأمير مصطفى فاضل شقيق الخديوي إسماعيل وآخرين. ضاق الصرح الأول بمقتنياته فصدر مرسوم ملكي جديد لبناء كتبخانة أكبر وأكثر اتساعاً، وقضى القرار أيضاً بأن لا يطبع أي كتاب من دون أن تودع نسخ منه فى المكتبة الوطنية، وهذا الإجراء يُعرف حتى الآن باسم “رقم إيداع”!
عام 1904 انتقلت الكتبخانة إلى مبناها الجديد “باب الخلق” في وسط القاهرة. وبعد ثورة يوليو نُقلت مقتنيات الدار إلى مبنى عند كورنيش النيلبدأت رحلة المبنى القديم مع الإهمال منذ عام 1971. وأخيراً رُمِّم وحُوِّل إلى متحف للتراث يضم أندر وأثمن المقتنيات التراثية ‏من مخطوطات وبرديات‏ وأول المطبوعات والدوريات: تحف نادرة ولوحات خطية وفنية‏، عملات ومسكوكات من عصور مختلفة‏.
في القاعة 132 مخطوطات في الطب والفلك والأدب والديانات بالعربية والتركية والفارسية، من بينها أربعون مخطوطة نادرة كـ“شاهنامه” باللغة الفارسية، ومخطوطة ديوان “يوسف وزليخه” من نظم حمد الله بن آق شمس الدين، إضافة إلى ‏27‏ مخطوطاً للمصحف الشريف بأجود الخطوط وأروع الزخارف، وعشرين بردية من أقدم البرديات تشهد على عقود بيع وزواج وإعتاق وتجنيد وضرائب‏، وخمس نسخ من توراة موسى‏..‏ وكتاب الفلاحة وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وكتاب اللاهوت..‏ الصلوات الليلية والنهارية، ومعها أقدم الدوريات‏ (21‏ دورية‏)‏ كـ“اللواء” و“المقطم” و“أنيس الجليس”. وفي القاعة خرائط رحلات الإسكندر الأكبر ومصب النيل وخط سير الحملة الفرنسية، ومسكوكات وعملات نقدية ذهبية وفضية ودينارات ودراهم ذهبية وفضية وبرونزية منذ العصر الأموي والدولة العثمانية حتى عصر محمد علي‏.‏ فضلاً عن سبع عشرة لوحة خطية أبرزها التي كتبها الخطاط عثمان المعروف‏ بـ“حافظ القرآن”‏ ولوحة الفنان محمد حسن‏ لحي مصر‏ي.‏ في مجال التصوير الفوتوغرافي تحتفظ الدار بأربعة ألبومات لمديريها في الفترة من‏ 1879‏ حتى 1938‏ وأساطين الدولة العلوية على رأسهم محمد علي المؤسس، وكذلك مجموعات للطوابع النادرة التذكارية كالتي صدرت في إيران بمناسبة عقد قران الشاه محمد رضا والأميرة فوزية عام‏ 1939‏، وزواج الملك فاروق عام ‏1938، وسجل تعداد النفوس وهو أول محاولة لتعداد سكان مصر وأمر به محمد علي باشا عام‏ 1847‏، وهو واحد من أندر الوثائق ضمن خمس عشرة وثيقة بين فرمان وسجل‏، منها أيضاً وثيقة زواج الجنرال الفرنسي مينو بالمصرية زبيدة‏. ‏وهناك أيضاً مجموعة من المقتنيات النادرة أبرزها نموذج مصغّر لقبّة الصخرة التي أمر ببنائها الحاكم الأموي عبد الملك بن مروان مرصّع بالأحجار الكريمة والجواهر ومحلّى من الداخل والخارج بنقوش وكتابات عربية وفارسية، ويضم حبة قمح كتب عليها تواريخ من تولوا حكم مصر بداية من عمرو بن العاص حتى الملك فؤاد.


مهمة عصرية لصرح تاريخي
قال محمد صابر عرب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في حفل افتتاح الكتبخانة إن “الدار ستكون جامعة شعبية للباحثين وللشباب والمترددين المتخصصين فقط في مجال التراث، ومتحفاً يفتح أبوابه للشعب، للجمهور، لطلبة الجامعات، لتلامذة المدارس”.
وقال عرب “التراث ليس مجرد كتاب ولا مجرد مخطوط. هناك أيضاً التراث المعماري. هذا المبنى بجماله وروعته لا بد من أن تُبعث فيه الحياة من جديد لأن دار الكتب لم تكن مجرد مكتبة تقليدية منذ إنشائها. لقد كانت من أهم المكتبات في العالم وضمت أعظم مقتنيات اللغة العربية”.
وأشار الى أن مقتنيات الدار ستتاح للباحثين والمترددين عبر وسائل ورقية وإلكترونية، وسيعدّ موقع إلكتروني لتسهيل الاتصال بين الدار والمهتمين بمقتنياتها.