دمشق ـــ عامر ملاعب
كتب تبدو مرصوفة على الزوايا من كل الأشكال والألوان والمواضيع، القديم والجديد، البائعون يشرحون حسناتها، ويتحلق المارّون حولهم يستطلعون مضامينها. هذا المشهد أصبح مألوفاً على أرصفة الشوارع في دمشق، بل إن هذه الظاهرة تتسع وأصحاب هذه المهنة يتكاثرون ليحتلوا المزيد من الشوارع في العاصمة السورية.
محمد حسن العلي شاب في العقد الثاني من العمر، وهو أحد البائعين في شارع الحلبوني يفترش رصيفاً قرب مبنى المركز الرئيسي للجامعة السورية أوضح لـ“الأخبار”: “أعمل في مهنة بيع الكتب في هذا الشارع منذ خمس سنوات، والسلطات لا تعطينا أنا ورفاقي أذونات رسمية لذلك، بل تتغاضى عن عملنا ولا تعترض طريقنا”، وأضاف “نؤمّن الكتب من بعض التجار والطلاب والأدباء أنفسهم، وبعض الأشخاص الذين يودّون بيع مكتباتهم بداعي السفر أو لأن أحوالهم المعيشية تدهورت، ولكن جميع الكتب تُباع بأسعار مخفوضة” أي تقلّ عن سعرها في المكتبات الكبرى بنحو 50 في المئة.
وماذا عن الزبائن؟ من يقصد “مكتبته”؟ أجاب العلي “إنهم من جميع الفئات والطبقات الاجتماعية، وخاصةً غير الميسورين والطلاب، ولدينا العديد من الزبائن الدائمين الذين يطلبون كتباً محددة ونعمل على تأمينها لهم”.
في شارع البرامكة، الجميع يعرف البائع هاني الإمام، وهو صار يحفظ ما الذي يفضّله المشترون، وقال إن الكتب الأكثر مبيعاً هي “الكتب العلمية والأدبية، والقواميس وكتب الدين”، لكنه لفت إلى أن “أنواع المبيعات تختلف بين فترة وأخرى بحسب الأحداث والمناسبات، فمرة نشهد إقبالاً على كتب التاريخ، وأحياناً يكثر الباحثون عن المراجع السياسية، ولكن كتب الأبراج والسحر والطبخ تتصدر المبيعات دائماً”. كان الإمام منهمكاً بالرد على زبائنه. لم يجد الوقت الكثير للرد على كل الأسئلة. وقف أمامه عبد الله هوساي، وهو سعودي، جاء يطلب كتباً تاريخية وأدبية، وقال: “بعض الكتب غير موجودة في المكتبات، ومن الصعب الحصول عليها بسهولة، لذلك ألجأ إلى بائعي الرصيف وفي الكثير من الأحيان أجد ما أطلبه”.
وفي قصص البائعين الكثير من الحكايا المحزنة، أحد البائعين كاتب، طلب ألّا يذكر اسمه، وقال “تدهورت حالتي الاقتصادية، إذ لم يعد راتب التقاعد يكفيني لإعالة عائلتي، وقد أُغلقت في وجهي جميع السبل. عرضت بيع قسم من مكتبتي، وبعدما وجدت أنه قد لا يُباع بالسعر المناسب، وضعت المكتبة على الرصيف كي أبيعها، وسرعان ما وجدت نفسي أغرق في عملية بيع وشراء الكتب وتورّطت في تجارة أحبّ بضاعتها، وأحتفظ بالثمين الذي يقع بين يديّ منها، وهكذا أصبحت تاجر كتب بسيطاً، يجلس قبالة الرصيف. أكتب ساعة يحلو لي، وأتمنى أن أصف حالتي في رواية أعمل على تأليفها، مع بعض الوصف لما نعانيه في الوطن العربي كأصحاب فكر”.
“كتب على مدّ النظر” تنتظر القرّاء. إنها الظاهرة المتنقلة من بغداد إلى دمشق، ظاهرة تهجر العنف في العراق بحثاً عن أمان في بلد عربي آخر: الأرصفة للمشاة ولمحبّي القراءة.