خالد صاغيّة
مرّة أخرى، يحمل فلسطينيّون أبناءهم على أكفّهم، ويمضون في رحلة لا نهاية لها. أربعة قتلى. مئات من الجرحى والمشرّدين. 250 منزلاً مهدّماً ومتضرّراً. فقد فاضت المياه الآسنة في إحدى قرى غزّة. والفلسطينيّ، وحيداً، ما زال يسير من نكبة إلى نكبة، ومن هجرة إلى هجرة.
شهود عيان يــــــؤكّدون أنّ المياه الآسنة لم تفض في غزّة وحدها. العديد من المدن والـــــــقرى والعــــــــواصم العربيّة تـــشهد منذ عقود فيضانات دائمة تأكل ذاكرة المدن وتبتلع سكّانها. مياه آسنة لا تصدر دائماً عن مجــــــــاري الـصرف الصحّي. فالفيضان قد يأتي، في أحيان كثيرة، من قصور مجاريها من ذهب، وأسوارها مطعّمة بالفولاذ.
المياه الآسنة تأتي من وراء البحار أحياناً. فد تتخفّى، فتحملها الريح أو الطيور المهاجرة. وقد تتسلّل إلى مستوعبات نظيفة تروّج لها شركات عابرة للقارات، ومنظّمات عالمية، وحاملات طائرات تتّخذ من الأبيض المتوسّط مقرّاً لها.
شعــــوب بأكــــملها تشرب مياهاً آسنة. شعــــوب بأكملها تسبح في مياه آسنة. شعوب بأكملها تتعطّر بمياه آسنة. قمم عربيّة تُعقد فوق مياه آسنة، في قاعات آسنة، تحت قبب آسنة، وتناقش في موضوعات آسنة.
الرائحة تملأ الشوارع من المحيط إلى الخليج. إنّها الأنوف التي تعبت. لكنّ الجميع يعرف أنّ الرائحة لا تزال هناك، وأنّ الفيضان لم يتوقّف، وأنّ موتاً كثيراً في الانتظار.