علي عطوي
يوم أنهى حسين حريري صناعة طائرته الصغيرة كان يحلم باحتفال كبير يحضره أصدقاؤه ليشهدوا على انجازه، وكان يأمل أن تصير هذه الطائرة حديث العامة والصحافيين، لكن حلمه لم يتحقق، وقد غادر لبنان أخيراً ليعمل في قطر من دون أن تحلّق طائرته في الأجواء كما أراد.
لم تمضِ أسابيع قليلة على إنجاز حسين حريري طائرته، حتّى بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز الماضي؛ ولحقت الأضرار بالطائرة، وقال حريري بغصة كبيرة “خسارتي لا تعوّض، لأنّ الجهد والتفكير الذي وضعته في الطائرة، لا يمكن تقديرهما بثمن”.
ركن حريري طائرته الصغيرة على سطح منزله في بلدة دير قانون النهر الجنوبية، استعداداً لإجراء تجربة إطلاقها قبلَ أيّام من نشوب الحرب، لكنها كانت في مرمى الطائرات العسكرية الاسرائيلية التي أمطرت قرى الجنوب وبلداته بقنابلها. هكذا جرت الرياح بما لا تشتهي الطائرة وقد تعرّضت لـ“أضرار في جهاز التحكّم الخاص بها، وتحطّمت مقدّمتها”. بيد أن حريري أكّد “أنّه لم يجر التعرّض لها مباشرة، لأنّ الإسرائيليين يعرفون قصّة هذه الطائرة من البداية، بدليل أنّ طائرات المراقبة لم تغب عن الأجواء طيلة مدّة عملي بها، إلاّ أنّ الغارات التي نفّذتها الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة، على بُعد أمتار من مكان وجودها، جعلتها عرضةً للتلف والتهشيم”.
لم ينل حريري مساندة لتنفيذ مشروعه الحلم، كان يعمل وحيداً بدون تبنّ جدي من أية جهة. وحاله مثل عدد كبير من الموهوبين اللبنانيين الذين تضج مخيلاتهم بأفكار مهمة ولكنهم لا يلقون المساندة والدعم لتحقيق أحلامهم. غير أن ذلك لم يفتّ عزيمته، اشتغل طويلاً، وكان يبدي اصراراً شديداً على تحقيق مشروعه ولا يكترث للمعوقات. لكن عزيمته احبطت أخيراً، وترك طائرته بدون تصليح ومضى إلى قطر.
ألقى حريري اللوم الكبير على السلطات اللبنانية “التي بقيت تماطل في إعطائي إذناً للسماح بإخضاع الطائرة للتجربة على مدرج مطار بيروت الدولي”. وقال: “عندما حصلت على إذن من مصلحة الطيران المدني في لبنان، بتجربة الطائرة على أرض مطار حامات، فوجئت بعد ذلك بمنعي من إجراء التجربة، لأنّ المطار عسكري. بعدها كان العدوان وتضررت الطائرة من دون أن أحظى برؤيتها تحلّق في السماء، غير أن ما تضرر يمكن إصلاحه؛ لكن العزيمة تراجعت. هناك سياسة عربيّة مبطّنة، تمنع الإنسان العربي من الإبداع”.
عندما لم يجد حريري ما يساعده على احياء حلمه راح يردد بأنه يحلم “بالهجرة من هذا البلد”؛ وبرر ذلك بعدم وجود ما يشجّع على البقاء، وقال: “لو وجدت حافزاً أو تشجيعاً لعملت أشياء مذهلة. في لبنان لا يجد المرء من يشجعه على تحقيق مشاريعه”. ولم يعد يتحدث عن مشاريع جديدة أو عن طائرته الخاصة التي التقط لها صوراً قبل أن تضررها بسبب العدوان.
حريري حلم بالهجرة ونطق بلسان عشرات الشباب الذين لا يجدون من يشجعهم، ويحزنون إذ يتأكدون أن أحلامهم لن تتحقق يوماً.