خالد صاغيّة
نحن أمام بلاد نصف سكّانها على الأقلّ مصابٌ بالجنون أو بالـ«كوما» الجماعيّة. هذا هو الانطباع الذي يخرج به من يتتبّع خطاب السلطة وحاشيتها وأبواقها.
فقد باتت عادة شبه يومية أن يقذف «الحريصون على البلاد» الشعب اللبناني المنتسب إلى الطائفة الشيعية بتهم العجز عن التفكير، أو الغياب عن الوعي. أمّا الأكثر بذاءةً بين هؤلاء فلا يتوانون عن اتّهام أبناء تلك الطائفة «غير المتنوّرين» بالعمالة. ويبدو أنّ الدور جاء الآن لإلقاء التُّهم نفسها على مناصري العماد ميشال عون. وقد تولّى السيّد كارلوس إدّه دعوة عون «المصاب بجنون العظمة»، وكذلك الذين «لا يزالون يؤمنون به»، إلى حجز أماكن لهم في دير الصليب.
من حسن الحظ، فعلاً، أنّ ثمّة رجالات يؤثرون التضحية بوقتهم من أجل النهوض بهذه البلاد التي يقطنها مليونا نسمة من المرضى. وإلا فمَن كان سينقذ المليونين الآخرين اللذين «يحبّون الحياة»؟
هنا تكمن مأساة السيّد كارلوس إدّه. فمن مصائب الدهر أنّ الديموقراطية تعطي للمواطن المحبّ للحياة صوتاً موازياً لصوت المواطن المصاب بعوارض الجنون. هذا ما جعل أهالي بلاد جبيل وكسروان يصوّتون لابن الطبقة الوسطى القادم من حارة حريك، ويعاقبون سليل الحسب والنسب الذي لم يُعرف له من مأثرة سوى أنّه متحدّر من تلك العائلة الكريمة. مأساة لم يشفَ منها السيّد إدّه بعد. وهو مذّاك ينظر إلى المرآة بإعجاب ويقول: «مجانين. كلّهم مجانين».