دمشق ــ خليل صويلح
رحل في دمشق تركي علي الربيعو (54 عاماً) أحد الوجوه المؤثرة في الحياة الثقافية السورية في السنوات الأخيرة. عانى الباحث طويلاً من مرض عضال، وخاض سجالات إشكالية في قضايا راهنة، كان أبرزها ما يتعلق بالقضية الكردية في سوريا. وكان مقاله “طوبى للغرباء الأكراد السوريين” الذي نشره قبل سنتين مثار جدل في دائرة النخبة الكردية. إذ وصف الواقع الكردي بأنه ينوء بين “الانكماش على الذات، وطوبى المتخيل القومي المشفوعة بالرهان على المتغيرات الدولية”. لم تقف مساهمات الربيعو عند ضفة واحدة. يحار المتابع لكتاباته في أي خانة يضع اشتغالاته وموقفه النقدي، نظراً الى تعدد اهتماماته واختبائه، في معظم كتاباته، وراء مقولات الآخرين وتالياً حيرته الإيديولوجية بين العروبة والإسلام، وبين المعارضة والسلطة. وهذا ما جعل من نصه الشخصي حقلاً لأفكار الآخرين التي تتزاحم وتتجاور، وربما تتناقض أحياناً. إنه مثقف قلق وحائر بين أطروحات محمد عابد الجابري وعبد الله العروي، وانتهاءً بإدوارد سعيد. وهذا ما تنطوي عليه عناوين أبحاثه التي تراوح ما بين “نقد المثقف” مرة و“نهاية الداعية وولادة المثقف” مروراً بـ“تشريح ثقافة الاستبداد” إلى “الصوفي يهزم الفيلسوف”.
اقتحم تركي علي الربيعو المشهد الثقافي السوري في مطلع التسعينيات مثقلاً بتراثه البدوي وانتسابه إلى قبيلة عربية أصيلة هي “قبيلة طي”. وكان كتابه “الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة” (1992) مدخلاً لاهتماماته الفكرية والبحثية. وجاءت كتبه اللاحقة استكمالاً لمشروعه في بلورة رؤية عربية لقضايا الإسلام والأصولية والإرهاب. ثم انصبت اهتماماته على مراجعة دور المثقف وتأصيل دوره نحو خطاب تنويري ونهضوي إلى تغلغل العقلية التآمرية في ثنايا خطاب اليسار العربي وعقله ومساهمات في قراءة التيارات السياسية العربية ونخبها وصعود الحركات الإسلامية وتراجع المشروع الوطني، وما رافقه من غياب البديل الثوري.