تمسك قنوات التلفزيون باللبنانيين، تشدّهم نشرات الأخبار، هذا فريق يستعد للجوء إلى الشارع لتحقيق مطلب المشاركة في الحكم، وذاك فريق يرفض المطالب، والبلد مقسّم بين موال للسلطة ومعارض لها. وحدهم مصمّمو الأزياء منكبّون على تصاميمهم. لا يهجرون ورشاتهم، يعملون ليل نهار، فقد اقترب الموعد المرتقب في نهاية الشهر الجاري. هذا العام أيضاً سينطلقون إلى عواصم الأزياء والأناقة، إلى باريس وروما ونيويورك لتقديم تصاميمهم، علّ هذه المدن تعترف بإبداعاتهم أخيراً، وتقدم عروضهم تحت عنوان الـ Haute coutureجميل الخنسا في نيويورك وحده، وجورج حبيقة وداني أطرش وغيرهما في مدينة الأنوار، وعبد محفوظ ورندا سلمون يشاركان في أسبوع الموضة الإيطالي في روما، فيما تحتفي “ليالي شرقية” في جادة فيا فينيتو في المدينة بإنجازات مصممين آخرين لبنانيين وعرب. بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، حمل إيلي صعب تصاميمه إلى باريس وأعلن من هناك أن “شمس بيروت” لن يسرقها أحد، أدهش الجمهور الفرنسي بفساتين بألوان أشعة الشمس الذهبية. المصمم، الذي يتمتع بشهرة واعتراف عالميين، عبّر على طريقته الخاصة عن حبه لبلاده. لم يدخل في جدل سياسي، هو ينتمي إلى عالم الأزياء، وخياله أبدع تصاميم بلون أشعة الشمس عنوان الحياة، وذلك رداً على كل الدمار والموت الذي سبّبته الصواريخ والقنابل الإسرائيلية. هل سينسحب “الذهبي” الذي اختاره صعب على تصاميم المصممين الآخرين؟ لا أحد يعرف الإجابة، فهؤلاء لا يكشفون سرهم، يهيّئون “مفاجأة” يعدون بها عشاق الموضة والـ haute couture، والثياب الجاهزة. الخطوط والأقمشة والألوان والعناوين المعتمدة تظل أسراراً، والمعلن فقط مواعيد العروض والفنادق أو خشبات العرض التي ستستضيفها. “الطريق إلى عواصم الموضة يعود بنا إلى الشرق” هذا ما يؤكده المصممون، فالاعتراف العالمي بهم يرفع من مكانتهم لدى المستهلكين في لبنان والعالم العربي. فرغم أن إيلي صعب يتمتع بشهرة كبيرة منذ سنوات طويلة جداً، وتفخر نجمات وسيدات أوائل بأنهنّ يرتدين أزياء من تصميمه، إلّا أن عشاقه يدللون على “عبقريته” بالتذكير بأنه صمم فستاناً ارتدته النجمة الأميركية هالي بيري يوم فازت بجائزة الأوسكار. وهو أعلن أخيراً أنه سيفتتح هذا العام فرعاً لمحترفه في باريس، على أن يتبعه افتتاح فروع في نيويورك ولندن ولوس أنجلس.المعارضون إلى شوارع بيروت، والمصممون إلى شوارع عواصم الأزياء. تعيد هذه المصادفة إلى الأذهان حكايات بيروت قبل الحرب الأهلية، مدينة عشّاق السياسة والديموقراطية، الذين يحبون في الوقت نفسه الحياة بكل مباهجها، مدينة عشاق الحرية الذين قد يختلفون على خيارات سياسية، وعلى أسئلة الهوية، لكنهم يتفقون على حب الموضة والأزياء الجميلة والترف والاحتفال بالحياة.
بعدما يصفق الجمهور الأوروبي أو الأميركي لمصممي الأزياء اللبنانيين، سيعود هؤلاء إلى محترفاتهم، يتسمّرون من جديد أمام طاولاتهم، يرسمون تصاميم لأزياء مبتكرة، والجمهور اللبناني سيظل يحلم بأن تتحسن قدراته الشرائية ليرتدي يوماً ما ينفذه المصممون.
(الأخبار)