جوان فرشخ بجالي
عادت أسطورة روما إلى الحياة. وفيما كانت أعمال الترميم جارية في قاعات قصر الأمبراطور الروماني الأول أوغوست ـ المبني على تلة البالاتين ـ فتحت حفرة صغيرة في الأرض. وسّع علماء الآثار الذين يعملون في الموقع الفتحة ليكتشفوا أنها تقود إلى كهف، عمقه 16 متراً، زُيّنت جدرانه بالرسوم والصدف. ويعتقد أنه الكهف، الذي ورد ذكره في الروايات حول كيفية إنشاء مدينة روما، والذي عاشت فيه الذئبة التي أرضعت التوأمين روميلوس وريموسوبحسب أسطورة “ولادة روما”، فقد عثرت الذئبة على الولدين بعدما ألقاهما خالهما في نهر ليموتا لأنهما يهددان عرشه، فأخذتهما الذئبة الى الكهف في تلة البالاتين وأرضعتهما واهتمت بهما حتى كبرا قليلاً، ثم عثر عليهما راع فأحسن تربيتهما مع زوجته. وعندما كبر الولدان، قتلا خالهما وقررا تأسيس مدينة حول الكهف الذي عرفاه صغيرين، فكانت روما التي أعطاها روميلوس اسمه بعدما قتل شقيقه.
وفي فترة الأمبراطورية الرومانية، قضت العادة بإعادة «تمثيل» الأسطورة أمام الكهف الذي ذكرت المراجع التاريخية أنه على مقربة من قصر الأمبراطور أوغوست. ولكن مع تطور مدينة روما وإضافة المباني إليها، وتوقّف الطقوس الدينية المرتبطة بتلك الأسطورة، «ضاع» أثر هذا الكهف حتى إن بعض المؤرخين اعتبروه جزءاً من الأسطورة ولا وجود له. وتقول إيرين أياكوبي، عالمة الآثار المسؤولة عن موقع البالاتين «إن الاكتشاف تم حين كان العمال يقومون بحفر الأرض لأخذ عيّنات منها، ففتحوا هوّة في سقف الكهف. وبعد توسيعها، اكتشفنا غرفة، ذات أقبية، وقد زيّنت جدرانها بالرسوم وبمشكاة توضع فيها تماثيل الآلهة». وتؤكد أياكوبي أنه لا يمكن الجزم نهائياً بأن هذا هو الكهف الذي سمّاه المواطنون الرومان lupercale من كلمة lupa اللاتينية والتي تعني الذئب، وكان مركزاً لشعائرهم، وكل الدلائل تشير الى ذلك.
وبحسب المهندسين المشرفين على العمل، فإن الكهف في حالة جيدة جداً، والبحث جار حالياً لاكتشاف مدخله، إذ سيفتح أمام الزائرين والسياح، وسيتم إلحاقه بباقي أرجاء القصر. في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن قصر الأمبراطور أوغوست كان مقفلاً أمام السياح. فالمبنى في حاجة ماسة الى الترميم والتدعيم في بعض الأجزاء، حتى إن بعض العلماء أشاروا إلى أنه مهدّد بخطر الانهيار. وقد موّلت الحكومة الإيطالية أعمال الترميم لإعادة فتح أبواب القصر في بداية عام 2008، فهذا المكان يستقطب عدداً كبيراً من السياح. وهنا تجدر الإشارة إلى أن البالاتين هي إحدى التلال السبع المحيطة بالعاصمة الإيطالية، وأول مكان استعمله سكانها. فآثار البالاتين تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد. وكان العديد من الأباطرة الرومان قد شيّدوا قصورهم على هذه التلة التي تشرف على كافة أرجاء المدينة. ولكن بالنسبة إلى الشعب الروماني كانت أهمية البالاتين ترتبط بالكهف الذي ولدت فيه أسطورة مدينتهم، والذي عاد اليوم الى الحياة بعد آلاف السنين من النسيان.