خالد صاغيّة
انقسم اللبنانيّون فجأة بين فريقين. واحد يحبّ الحيــــاة «حاف»، وآخر يحـــــــبّها «بــــــــــالألوان» أو «بـأمان» أو «بــــلا ديون»... والواقع أنّ اللبنانيين، منذ آلاف السنين، معروفون بولعهم بالحياة. ومن لا يصدّق، فليسأل صحون الحمّص وكؤوس العرق المصنّعة بزجاج فينيقيّ. الغريب، في قصّة الحبّ هذه، هو اندفاع شعب يحبّ الحـــياة إلى هذا الحدّ، نحو جلوس هانئ على عتبة حرب أهلية. والأكثر غــرابة هذا التوق لتخــــــــطّي مرحلة العتبة نحو غوص فعليّ في الحرب نفسها.
لكن يبدو أنّ محبّ الحياة لا يحتمل الانتظار طويلاً، ولا يرضى بأنصاف الحلول.
محبّ الحياة، إن بايع زعيماً، عَبَده. محبّ الحياة، إن انتمى إلى طائفة، كره من أجلها الطوائف الأخرى. محبّ الحياة، إن حصل على بندقيّة، أطلق النار سريعاً.
محبّ الحـــياة لا يطـــيق رؤية ما لا يـــروقه. يعيد تــــرتيب الأشــــياء. يلغي بعــــــضها، ويخلق بعضها الآخر. يقطع شجرة... يدهن حائطاً... يمزّق قميصاً... يرفع علماً... يحرق جبلاً.
محبّ الحياة يكسّر الدنيا من أجل حكاية غرام. محبّ الحياة يشرب النبيذ حتّى آخر خليّة تقوم بعملها داخل الرأس. محبّ الحياة ينفق بلا حساب، ولا يعرف أصلاً كيف يحصي النقود. محبّ الحياة لا يتوقّف عن الرقص حتّى تخونه قواه. وحدهم محبّو الحياة يقدمون على الانتحار. هذا، على الأقلّ، ما علّمتنا إيّاه داليدا، سيرةً وأغنيات.