خالد صاغيّة
لـ«المستقبل» وجهان: وجه صنعته الأعمال الخيرية، ووجه آخر صنعته السياسات الاقتصادية. الوجه الأوّل جرى تظهيره بقوّة أثناء ثورة الأرز. الوجه الثاني يحتلّ الواجهة ردّاً على اعتصام المعارضة.
الوجه الأوّل يحمل أسماء طلاب تعلّموا في لبنان والخارج بواسطة مساعدات تلقّوها من مؤسسة الحريري. إنّهم حملة الشهادات، مهندسون وإداريّون وموظّفو مصارف. أفراد الطبقة الوسطى الجديدة الذين شكّلوا واجهة انتفاضة الاستقلال. مرّت أسماؤهم في الصحف، والتقطت العدسات صورهم، واحتفلت الشاشات بأزيائهم ولكناتهم وإتقانهم اللغات الأجنبية. أمّا الآلاف الآخرون الذين ملأوا الساحات، وشكّلوا جمهور الانتفاضة العريض، فجرى تقليصهم إلى مجرّد أرقام وخلفية للمشهد العام.
اليوم انقلبت الأدوار. يختفي هذا الوجه عن الساحة، ويطلّ وجه آخر من السرايا الحكومية، هذه المرّة. إنّهم جماهير القرى والمناطق النائية الذين منحوا «تيار المستقبل» كلّ عاطفة صادقة خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، وبادلهم «التيار» محبّتهم بإطلاق وعود انتخابية ذهبت أدراج الريح. إنّهم الجماهير التي عانت مناطقها من قبضة محكمة لضابط استخبارات بعثي من الدرجة الرابعة، وفي الوقت نفسه، لم تدرَج يوماً على لائحة أولويات السياسات الإعمارية.
يجري اليوم استذكار هذه الجماهير، لتأجيج صراعات مذهبيّة. لكن، وبما أنّ الذاكرة عادت إلى منتحلي الصفة في السرايا، فعليهم أن يتذكّروا جيّداً أنّ هذه الجماهير نفسها كانت قد خاضت نضالات للتخلّص من حكم البكوات. وما ينقصها حتماً ليس مبايعة بيك جديد.