بغداد ــ الأخبار
لا يحتاج شارع المتنبي في بغداد إلى تعريف، شــهرته واســعة في الدول الـعربية، يسميه البعض شارع المثقفين أو حي الكتب، وهو من أهم مراكز « مكتبات الأرصفة». يجلس البائع عند زاوية من الرصيف ويفترش الأرض كتباً. منذ ساعات الفجر الأولى يحضر البائعون، وعند سطوع الشمس يحتشد الزبائن وعشاق الشارع.

يوم الجمعة استثنائي في حياة شارع المتنبي، إذ يشهد أوسع حركة للمشتغلين في شؤون الثقافة، يقصدونه لشراء الكتب أو تبادلها. ولكن هذه “الحركة” تردت في الأشهر الأخيرة، إذ تأثرت بحظر التجوال، ما جعل مكتبات الأرصفة تتوزع في أنحاء مختلفة. وفيما كانت مكتبات أرصفة “المتنبي” للثقافة العامة والمتنوعة، في مختلف العهود، صارت مكتبات الأرصفة في المحافظات متخصصة في أنواع معينة من المعرفة.
يقول الكاتب صافي الياسري: “كنا نعرف ما نسميه اليوم “مكتبة الرصيف”، على أرصفة شارع المتنبي البغدادي وسوق السراي وحسب، حيث يفترش باعة الكتب الرصيف، ويعرضون بضاعتهم من كتب في الأدب والشعر والرواية والمسرحية والقصة، وفي الفلسفة والاجتماع والدين والسياسة والعلم والتكنولوجيا والطب، وحتى مجلات “بوردا” الفرنسية المتخصصة بالأزياء والحياكة، والصحف القديمة، وكل ما يخطر في البال. وكانت الحركة في هذا الشارع كما هو معروف لدينا نحن رواده المخضرمين، تشتد يوم الجمعة، فمن باحث عن كتاب معين في مجال اختصاصه، كدارس أو تدريسي، أو محب للاطلاع، إلى بائع محتاج، ربما عرض مكتبته الشخصية كلها للبيع، وقد حدث ذلك عدة مرات، ومع شخصيات أدبية معروفة في التسعينيات من القرن الماضي”. وأضاف: “آنذاك... غادر العراقيون عراقهم فاقةً... كما يغادرونه اليوم خوفاً... وكنا نتحلق حول تلك البقعة الأرضية التي يعرض فيها البائع كتبه بنسق مقصود، فالكتب المتداولة السريعة الحركة أقرب الى المشتري، والكتب الخاصة، ذات الطلب الخاص والسعر الخاص أقرب إلى البائع، وخلفه كتب (مضمومة) تكاد تكون سرية أو هي كذلك، وهي لا تباع إلا للمعارف الموثوقين، وكم تعرض الباعة بسببها لمشاكل جمة مع أجهزة أمن النظام التي كانت تراقب بيع وتداول الكتب الممنوعة رسمياً.
ولفت الياسري إلى أن مكتبة الرصيف كانت تشكل جزءاً من المشهد العام، “ففي شارع المتنبي كله لا تُباع إلا الكتب، مكتبة الرصيف هنا غير معزولة عملياً عن الشارع أيضاً. موظفو البلدية وأمانة بغداد الذين اعتدنا حملاتهم لمنع التجاوز على الأرصفة، يتعاملون مع باعة الكتاب في هذا الشارع على الرصيف كظاهرة حضارية، لا تجاوزاً، مقوّمين طابع الشارع التاريخي وهويته الثقافية”. الحركة انخفضت، ولكن لشارع المتنبي سحر يجعل عدداً من رواده يصرون على زيارته رغم المخاطر. جليل عبود ناصر
(بائع كتب في شارع 20 في البياع): “أبيع الكتب منذ 15 عاماً، وقد انتقلت إلى هذه الزاوية من شارع المتنبي حيث كان والدي رحمه الله يبيع الكتب، وكانت المنطقة في حاجة إلى اختصاصي. لقد ازداد الطلب أخيراً على كتب الرسائل الخليوية، كما أن هناك طلباًَ كثيراً على دواوين الشعر الشعبي، وبخاصة دواوين مظفر النواب وعريان السيد خلف وآخرين. وهناك الكتب الدينية وكذلك الأدعية وقصائد المراثي. كما نبيع القرطاسية وصور المراجع الدينية وعبد الكريم قاسم والعلم العراقي المطبوع على ورق خاص بأحجام مختلفة حسب الطلب. المردود المادي جيد جداً رغم تأثرنا بالوضع الأمني وقلة ساعات العمل وأيام منـع التجوال الكثيرة” .
وتحدث رشيد حواس السوداني عن مشاكل يواجهها الباعة فقال: “مشكلتنا هنا ليست اللصوص فقط، بل في عمليتي “التفتيح والتعزيل” فالمخزن الذي نأتي منه بكتبنا وأغراضنا بالعربات اليدوية، بعيد عن الشارع، ونستغرق وقتاً لترتيب الكتب وإعادتها، بينما الوقت الذي نشتغل فيه وساعات العمل والإقبال على الشراء والحركة كلها محدودة، ونحن نعاني في أحيان كثيرة من الإجراءات الأمنية التي تمنعنا من العمل على الرصيف بسبب وضع طارئ أو بسبب مزاج الشرطة المسؤولة عن أمن المنطقة، أو مزاج العصابات التي تفرض “الإتاوة” على عموم باعة الرصيف، ويسيطر علينا الخوف الدائم من أن يضع أحدهم كيساً مملوءاً بالمتفجرات فيحصد المئات من القتلى والجرحى، إضافة إلى الهموم اليومية الأخرى. فبعض الزبائن، يخاصمون بائعاً ما لأنه يعرض الكتب التابعة للطائفة الفلانية إلى جانب الكتب التابعة لطائفة أخرى”. ولفت البائع طارق سعيد إلى أن أغلب باعة وأصحاب “مكتبة الرصيف” لا يعرضون ولا يمتهنون بيع الصحف، فباعة الصحف مجموعة أخرى لهم خبرتهم المختلفة والخاصة، وهم ينهضون في الصباح الباكر للذهاب إلى (بورصة الصحف) ويعرفون الموضوع الذي يشد الناس والصحيفة المقروءة، ولهم مواقعهم المحددة بدقة وفق مناطق الحركة والوقوف والتجمعات والأسواق.