strong>جوان فرشخ بجالي
منتصف ليل الأحد ستدق أجراس الكنائس معلنة الفرح بميلاد السيد المسيح، لكن أجراس كنيسة المهد الحزينة منذ زمن لن يسمع قرعها الكثيرون، وفيما تتحضّر الطوائف المسيحية في العالم لتمضية ليلة عيد الميلاد بالاحتفالات والصلوات تبقى كنيسة المهد حيث وُلد السيد المسيح في بيت لحم شبه فارغة. فأهالي المدينة المسيحيون يهجرونها بعدما أحاطها الاسرائيليون “بالجدار العازل” الذي قطع اتصالها بالعالم الخارجي.
الدخول الى بيت لحم، بحسب سكانها وزوارها، يتطلب ساعات فالمعبر الاسرائيلي هو بمثابة حدود دولية. وسلوك الطريق الى القدس التي لا تبعد عنها إلاّ 30 كيلومتراً يتطلب أيضاً ساعات. هكذا صارت بيت لحم ولأول مرة في تاريخها مقطوعة حتى بصرياً عن كل محيطها.
تعتبر مدينة بيت لحم واحدة من أشهر المدن ذات المكانة الدينية والتاريخية في العالم. فهي شهدت مولد يسوع المسيح في إحدى مغاراتها الصغيرة التي شيّدت فوقها عام 335 ميلادية “كنيسة المهد” بأمر من القديسة “هيلينا” (والدة الامبراطور البيزنطي قسطنطين) وهي تعتبر من أولى الكنائس في العالم.
وجاء في الموقع المختص بتاريخ كنيسة المهد “ان السامريين، ويُعتقد أنهم جماعة من اليهود يُنسبون إلى عاصمتهم القديمة السامرة، كانوا قد دمروا الكنيسة خلال حربهم ضد البيزنطيين. ولكن الامبراطور جوستنيان أعاد بناءها عام 535 على الموقع نفسه، ولكن بمساحة أكبر وبحسب الشكل الهندسي البازيليكي. وزُيّنت جدرانها بقطع من الفسيفساء، بعضها يصوّر ولادة المسيح في مغارة بيت لحم وزيارة المجوس الآتين من بلاد الفرس له. والطريف ان هذه الفسيفساء بالتحديد أنقذت الكنيسة من الدمار مرة ثانية. فعندما دخل الساسانيون بيت لحم خلال اجتياحهم الإمبراطورية البيزنطية، دمروا مجمل الأبنية وأماكن العبادة في المدينة إلاّ كنيسة المهد “احتراماً منهم لأجدادهم” الذين تزيّن صورهم جدرانها!”. يُطلق على باب كنيسة المهد اسم “باب التواضع”. فهو صغير لدرجة انه يجبر الزائر على الانحناء. وإن حُمّل هذا المدخل “تفسيرات” شتى لكن المراجعات التاريخية الدقيقة تؤكد أنه بُني في فترة الحكم العثماني لسبب معين وهو: منع الجيوش من الدخول الى حرم المكان على صهوة الجوادوتتميز هندسة الكنيسة بأسلوبها البسيط. فهي تحتوي على أربعة صفوف من الأعمدة التي تنتهي بتيجان من الطراز الكورنثي، وتتدلى بينها قناديل ومبخرات. وتدخل أشعة الشمس من النوافذ العليا وتنير صور القديسين التي تزيّن الجدران والسقف وتمتزج برائحة البخور فتعطي للزائر شعوراً بالخشوع والرهبة التي تكتمل بزيارة “كهف ميلاد المسيح” الموصولة بالكنيسة بأدراج بُنيت حديثاً. يعتبر الكهف المكان الذي ولد فيه يسوع المسيح وكان في تلك الفترة يُستعمل كحظيرة. ولكن عمليات التأهيل المتتالية للمكان غيّرت شكله الأصلي، فأرضيته اليوم من الرخام الأبيض، وزُينت جدرانه بالعديد من أيقونات القديسين وبخمسة عشر قنديلاً فضياً ترمز إلى كل الطوائف المسيحية.
كنيسة المهد محاطة بالعديد من الأديرة ومقار الإرساليات الأوروبية التي عملت خلال العصور الماضية على تثبيت وجودها في بيت لحم: فساحة المهد اليوم أشبه بمجمع ديني كبير. ويساعد الوجود الدائم للمرسلين في هذه الأديرة على حماية العادات والتقاليد الدينية في هذه الكنيسة وعلى إبقاء الحياة داخل جدرانها.
كما جرت العادة منذ مئات السنين سيُقام قداس الميلاد في الكنيسة ولو ان الحضور سيكون خجولاً هذه السنة. فبحسب وكالات الأنباء الفلسطينية ومواقع سكان بيت لحم على الإنترنت، فإن حجوزات الفنادق تنحصر بحجّاج آتين ليدعموا الشعب الفلسطيني وبعض من سكان القدس الذين تستحيل عليهم العودة الى منازلهم بسبب المعابر الاسرائيلية.




بيت لحم تخلو من المسيحيين

قد تكون مدينة بيت لحم من أكثر الأماكن ارتباطاً بالدين المسيحي عبر التاريخ، لكن هناك مخاوف الآن من خلوّها من وجود المسيحيين فيها.
وبحسب مقـالة لمراسل “بي بي سي” ماثيو برايس “فآخر الإحصاءات تشير إلى أن نسبة المسيحيين في المدينة قد تقلصت إلى أقل من 15 في المئة من عدد سكانها بينما كانت نسبتهم أكثر من 80 في المئة”.
يرد برايس أسباب هذه الهجرة “الى ظروف الحياة الصعبة جداً بالنسبة إلى جميع سكان المدينة، ولكن للمسيحيين بينهم صلة قرابة بأناس في الخارج يساعدنوهم على الهجرة”. ويحاول رجال الدين بشتى الطرق حث المسيحيين على البقاء في المدينة والمحافظة على تراثهم الثقافي. ولكن استحالة انتعاش السياحة الدينية في المدينة المحاصرة حوّل حياة سكانها الى جحيم.