جوان فرشخ بجالي
عندما تدق الساعة الثانية عشرة منتصف ليل غد، سترفع أنخاب كثيرة، وسيتبادل الملايين التهاني بالعام الجديد، وفي هذه اللحظة تحديداً قليلون سيتذكّرون أن احتفالاتهم تقليد قديم جداً وبعض العادات غارقة في القدم ومستمدة من الحضارات المختلفة التي عرفها العالم.
تتبع البشرية ومنذ عدة عقود التقويم الغريغوري في حياتها العملية. وبحسب هذا التقويم، فالسنة المقبلة هي 2007 بعد ولادة المسيح، وتبدأ في ليل الأول من كانون الثاني.
“ولادة” التقويم الغريغوري حصلت في 24 من شهر شباط 1582 حينما وافق البابا غريغوار الثامن على التقويم الذي طرحه العلامة ألويسوس ليلايوس (Aloysius Lilius) والذي يقضي بتقسيم السنة إلى 12 شهراً واعتبارها مؤلفة من 365 يوماً، وذلك للاحتفال بعيد قيامة المسيح في الربيع كما كانت قد أقرته المجامع الدينية الأولى.
التقويم الغريغوري مقتبس عن التقويم القيصري (أي التقويم الذي بُدئ العمل به أيام الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر) وينص على أن السنة مؤلفة من 445 يوماً مقسمة إلى 12 شهراً، تبدأ في الأول من كانون الثاني، تاريخ بداية العمل بالقانون المدني وبتولي ممثلي الشعب مناصبهم لمدة سنة. منذ آلاف السنين تعتبر البشرية بداية فصل الربيع هو عودة “الحياة” إلى الأرض بعد انقضاء فصل الشتاء، ويرمز بالتالي لبداية سنة جديدة.
والجدير بالذكر أن أوروبا المسيحية لم تتبع بمجملها وبسرعة التقويم الغريغوري، ففي بريطانيا مثلاً بقيت احتفالات رأس السنة تُقام مع بداية فصل الربيع حتى أواخر القرن الثامن عشر.
البابليون هم أول من بدأ باحتفالات رأس السنة مع بداية فصل الربيع منذ أكثر من 4000 سنة وكانت تدوم لسبعة أيام، واحتفالات رأس السنة البابلية “أضخم” من احتفالات اليوم، ولا يزال سكان الأرض يحتفظون ببعض من تلك العادات، ومنها أن “يتعهد” كل شخص القيام بما لم ينجح به في السنة الماضية وأن يضع لائحة بهذه المقررات.
وهذا التقليد ليس الوحيد المستوحى من الحضارات القديمة، فكثيرة هي بطاقات المعايدة التي تصور أطفالاً، واعتبار الطفل رمزاً للسنة الجديدة هي عادة عمرها أكثر من 3000 سنة وبدأت في اليونان. ففي احتفالات رأس السنة (في الربيع) كانت الأمهات تضعن الرضّع في سلل من القش وتحملهن وتجلن بهم في أرجاء المدينة.
أما بالنسبة إلى القطع النقدية التي توزع على الأطفال، وهو تقليد شائع في مناطق مختلفة من العالم، وحتى في بعض من القرى اللبنانية، فقد بدأ في الفترة الرومانية حين كان كل إمبراطور يقوم بصك عملات تحمل اسمه يوزعها في بداية السنة، فتعطى للأطفال بعض القطع “القديمة” ويبدأ التعامل بالقطع الجديدة على أمل أن تكون السنة خيّرة وغنية.
إطفاء الضوء وإعادة إنارته خلال الاحتفال أمر يعود برمزيته إلى الديانات القديمة التي كانت تعتبر ضوء الشمس إلهياً إذ يحمل دفؤه الحياة، وأما الظلام فكان يعني الموت. ويضيء الناس الشموع أو حتى الإنارة الكهربائية ويتمنون أن يبتعد شبح الموت في السنة الجديدة.