إبراهيم طعمة
مع نسمات البرد الأولى بدأ “موسم المواسم” بالنسبة إلى محبّي الصيد من أبناء المناطق الريفية والجبلية.
لكن مواسم الصيد لا تقتصر على “الغلّة” التي يحملها الصيادون ولحظات الفرح التي يمضونها في الأحراج والوديان، بل تشهد أحداثاً مأساوية تؤدي بحياة البعض وتصيب البعض الآخر بإعاقات دائمة، ومما يزيد من خطورة المسألة ان عدد القاصرين الذين يحملون بنادق الصيد التي يزيد طولها عن طول قاماتهم، كبير.
وتحفل الذاكرة الشعبية في العديد من البلدات والقرى الجبلية في عكار، بقصص عن حوداث ناجمة من الصيد البري، فهذا قتل شقيقته من طريق الخطأ، وذاك اقتلع عين صديقه، وشخص ثالث بُترت يده أو ساقه بسبب سقطة مفاجئة أدت الى انطلاق حشوة بندقيته لتصيبه بإعاقة دائمة، وآخر وقع خلل في بندقيته فتفجرت أثناء إطلاقه النار وأصابته في وجهه ورأسه. وعلى رغم وقوع عدد من الحوادث إلاّ أن عشاق الصيد “لا يعيرونها أهمية كبيرة”، وينتظرون بفارغ الصبر الوقت المناسب لممارسة هوايتهم.
خليل كفروني من الشمال يحترف الصيد من صغره، وهي عادة كسبها عن والده الذي كان يصطحبه الى بساتين قريته بينو، فباتت هذه الهواية عادة مهمة في حياته، يمارسها بكل عقلانية ووعي منتقداً “الطارئين” على الصيد وممارسة البعض التقليدية التي أدت الى انقراض العديد من أصناف الطيور التي كانت تملأ المنطقة.
يوضح كفروني ان “الصيادين كانوا ينظرون الى من يملك “بارودة جفت” برهبة لأن “بارودة الدك” كانت الأكثر شعبية لبخس ثمنها وانخفاض مصروفها من جهة، ولوجود مصنّعين محليين لها، من جهة ثانية. وكان الصيد بواسطة الدبق والفخ منتشراً بكثرة، ولكنه “زال” مع انتشار البنادق الحديثة “المخمسة” و“المجوزة” (الجفت) العيار الصغير منها والكبير”.
تزدحم الطرق الجبلية العامة بالصيادين، وخاصة تلك الواقعة على التلال والهضاب المكشوفة في اتجاه الشمال، وتتكرر هذه الحالة مرتين في العام الواحد، وهي مرتبطة بفترة هجرة الطيور من الجنوب الى الشمال مع بداية الربيع، ومن الشمال الى الجنوب، مع بداية الخريف.
ويروي كفروني ان الصيادين يقفون في صفوف، وينتشرون على الطرق وخلفهم سيارات “رانج روفر” التي تحوي صناديق من الخرطوش وآلات جذب الطيور. يتمركز بعض الصيادين في نقاط متقاربة... وتبدأ المجزرة الكبرى، عندما يتلقى عصفور صغير عدة طلقات دفعة واحدة فيتناثر أشلاء في الهواء. ويوضح كفروني “في بعض الأحيان يتواصل إطلاق النار بصورة كثيفة فيخال المرء انه في جبهة قتال، وهذا السلوك يشكل تهديداً كبيراً للصيادين أنفسهم”.
يعشق بعض الصيادين اصطياد الطيور المهاجرة الكبيرة، ولا يدرك هؤلاء أن بعض أصنافها مهددة بالانقراض. وتتعرض هذه الطيور لإطلاق نار كثيف عند عبورها الأجواء، ويسقط بعضها ضحية جهل صيادين لا يعرفون أنها غير صالحة للأكل وقد تكون مصابة بفيروس إنفلونزا الطيور.