كامل جابر - أمال خليل
حين “يسقط” الليل جنوباً أو تحلّ مناسبات وأعياد، توحي أبواب دور السينما المدّثرة بالصدأ والصمت بـ“اليتم”.
ظلت هذه الدور حتى العقد الأخير من القرن الماضي “مرابع” للثقافة والسياسة والتسلية، وفي أرشيفها “أفيشات” أفلام نجوم العصر الذهبي للسينما العربية والهندية والغربية، منذ “أيام الأسود والأبيض”. الآن لم يبق إلاّ أبنية تعرف بأسماء الدور.

تمر الأعياد وأيام العطلة المدرسية في الجنوب، بلا “نكهة” في كثير من الأحيان، لغياب الأراجيح الضخمة الباعثة الضجيج في الساحات وعلى البيادر التي لم يعد لها بناة ورواد؛ ولم تعد دور السينما قادرة على فتح أبوابها وصالاتها لأسباب مختلفة، بعضها يرتبط بالتكلفة الباهظة لآلات العرض وقلة الروّاد. ومن الأسباب غياب الحماسة “المعهودة” لارتياد دور السينما مع سيادة شاشات التلفزة والفيديو والـ “DVD”.
دار عرض واحدة في صيدا شرعت أبوابها في عيد الفطر، هي “شهرزاد”. وتتناوب الدور الخمس في صيدا على فتح أبوابها، في كل عيد أو مناسبة تستقبل إحدى الدور رواداً فيما تبقى الدور الأخرى مقفلة. “سياسة المداورة تبدو حلاًّ كي لا تنطوي صفحة دور صيدا التي ظلت مزدهرة حتى سبعينيات القرن الماضي.
وتنعدم الحياة في ما بقي من دور في النبطية وصور ومرجعيون وجزين؛ وإن كانت مدينة النبطية قد أحدثت ما يشبه “الثورة” في عالم الارتباط بالسينما منذ مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، فيما كانت المدن الجنوبية تنغلق على عاداتها وتقاليدها، وأباحت دور النبطية مقاعدها في أوقات المساء والعشية، وفي الصباح أحياناً، لسكان المدن الجنوبية النائية، فاستدرجتهم نحو حكايات الحب والتضحية والثورة، وجعلتهم يتفاعلون مع ثقافات الشعوب وأقاصيصها. لكن شاشة التلفاز تسربت إلى بيوت الجنوب ووجهت ضربتها للسينما، ثم جاءت الحرب اللبنانية والاعتداءات الإسرائيلية، وما رافقها من احتلالات، لتمثّل الصفعة المدوية، مترافقة مع تسلل الفيديو، وهو ما أدى إلى إقفال دور العرض، الواحدة تلو الأخرى.
وإذ تشابهت تسميات ومواقيت نشأة دور السينما في مدينة صور، تشابهت مصائر صالات العرض التاريخية؛ ولم يبق من الأسماء والعناوين غير الذكريات الغابرة وبعض القاعات المقفلة. وكانت السينما قد دخلت إلى المدينة في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، وافتتحت سينما “روكسي” التي غابت اسماً وبناءً وعنواناً. ثم كانت سينما “أمبير” (1941).
وفي بداية الستينيات، قامت دور سينما “ريفولي” ثم سينما “حمرا” وسينما “دنيا” موزعة على أحياء المدينة، وبسبب العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له مدينة صور، أقفلت هذه الدور قبل أواسط الثمانينيات.
قبل سنوات قليلة، قامت سينما “AK2000”، وقد شرعت مقاعد صالتها الـ500 هذا العيد لمحبّي فيلم “عمارة يعقوبيان”. ولا ينكر صاحب الصالة عادل قليط أنه يعرض “الأفلام (البائتة) بعد عرضها في صالات بيروت”، ويردّ الأمر إلى التكلفة المرتفعة التي يتكبدها في شراء الأفلام من الشركة الموزعة، فيما لا يستعيد ربع المبلغ بسبب تدني عدد رواد السينما في المنطقة حيث ترتفع نسب البطالة والفقر. مشيراً إلى أنها “في أحسن الأحوال مرتبطة بموسم الأعياد”، علماً بأن قليط نفسه درس مشروعه جيداً قبل تنفيذه ووجد أنه قد يكون مربحاً، بسبب غياب المنافسة في المنطقة. ويفكر قليط حالياً في احتمال إقفال الصالة.
كان قليط يأمل “أن ينعكس وجود قوات اليونيفيل في المنطقة إيجابياً فتزدهر دار عرضه”، لكن آماله لم تتحقق ولم يعد يعوّل على جنود اليونيفيل “بعدما تم الحدّ من تحركاتهم خارج ثكنهم”.
أما في بلدة جزين، فقد ولدت في مطلع الستينيات من القرن الماضي تحت اسم «ريفولي»، وبعد تحرير الأراضي التي احتلتها اسرائيل، أنشئت سينما «أمبير» في جزين لتتسع لمئة وثلاثين مشاهداً، وفيها صالة ترفيه، ولا تقدم عروضاً حالياً إلا في المناسبات.