عبادة كسر
في أقرب نقطة من المدفأة يجلس علي صفا (6 سنوات) في غرفة الصف أو في بيته في بعلبك. وهو ابن عائلة لم تغادر المدينة في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، وعايش الولد الصغير القصف العنيف. وحُفرت في ذاكرته صور الدمار والشهداء.
كان علي يستلقي خلف مدفأة المازوت (الصوبية) ويشاهد التلفزيون، حين دوّى فجأة صــوت قــوي ناتج من احتقان في المدفأة التي لم تحرق الكمية الكبيرة من المازوت، وتزامن تراكم المازوت في الآلة مع اشتداد الرياح التي عصفت بقساطلها في الخارج.
حدث الدويّ وخرج الدخان من المدفأة وانتشرت رائحة احتراق المازوت. فسارع الطفل عندها إلى احتضان رأسه بيديه بعدما أحنى ظهره ليقترب البطن من الساقين، وبدأ بالصراخ. حاول جدّه معرفة سبب هلعه ليجيبه بأن إسرائيل “تقصف الصوبية”. هدّأ الجد من روع الطفل شارحاً له سبب هذا الصوت، إلا أن علي أبى أن يستوعب ما جرى، لأنه مقتنع بأن القصف يسبّب دويّ انفجار مترافقاً مع تصاعد دخان وصوت قوي.
منذ “وقوع ذلك الانفجار” يرفض الاقتراب من أي نوع من المدافىء حتى وإن كانت كهربائية، ويسأل أهله وأساتذته دائماً “هل تقصف إسرائيل الصوبية؟”. وعندما يجيبونه بالنفي لا يكترث لشروحاتهم، فهو متأكد من صوابية تحليله، ويعتبر أن العدوان لم ينته بعد.
لم يعد علي وحيداً في حربه على المدافئ، فقد انضم إليه إخوته في المنزل وأولاد الجيران ورفاقه في المدرسة، وقد تمكّن أخيراً من إقناعهم بعدالة قضيته بعدما حدّثهم عن الهجوم الذي استهدف المدفأة، محذراً إياهم من خطر الاقتراب من مثيلاتها.