خالد صاغيّة
عُثِر على المواطن ألِف جالساً على الرصيف. بدا وجهه شاحباً، وكان يلهث من شدّة التعب.
فمنذ مطلع الأسبوع، وهو يجول على كل المستشفيات والمخافر في الوطن والمهجر من دون جدوى. قطع الساحل اللبناني كلّه من النهر الكبير الجنوبي شمالاً إلى رأس الناقورة جنوباً، وهو يحفر في رمال الشاطئ من دون جدوى. تسلّق قمم جبال لبنان. سلّم على صنّين، ووصل إلى القرنة السوداء. استخدم أحذية خاصّة ورزماً من الحبال... من دون جدوى.
حصل ألِف على إذن خاص بدخول الأنفاق التي حفرها المقاومون في الجنوب. أعاد تفتيشها مرّتين، من دون أن يجد شيئاً. وتوجّه ألِف إلى المناطق المنكوبة جرّاء العدوان الإسرائيلي. راح يفتّش بين الأنقاض... من دون جدوى.
عاد من هناك إلى ساحة الشهداء. جال فيها زاوية زاوية، ثمّ بدأ التنقيب تحت الأرض علّ الحضارات القديمة قد تركت له مبتغاه. ومن التنقيبات انتقل إلى القلاع الأثرية في الشقيف وطرابلس والمسيلحة، لكن من دون جدوى.
لبس كمّامة واتّجه نحو مستوعبات «سوكلين»، فَلْفَش فيها مستوعباً مستوعباً، وحين لم يعثر على شيء، أكمل صوب مكبّ النورماندي ومطامر النفايات الموزّعة في المناطق... أيضاً من دون جدوى.
عُثِر على المواطن ألِف جالساً على الرصيف. بدا وجهه شاحباً، وكان يلهث من شدّة التعب. أمّا المارّة فكانوا ينظرون إليه بشفقة. وسُمع أحدهم يتمتم: مسكين ألِف. لقد أضاع ثلثه المعطّل.