نجوان درويش
المشهد الأخير من عرض فرقة ألوثيما في بيت لحم صنعه شاب فلسطيني، صعد إلى خشبة المسرح وأعلن وقف العرض.
قدمت فرقة “ألوثيما” الغرناطية لرقص الفلامينكو عرضها الأول في رام الله في إطار برنامج نظمه “مركز الفن الشعبي” تحت عنوان “إيقاعات الخريف”.
يوم انتقلت الفرقة إلى بيت لحم لتقدم عرضها، كان ثائر حسان محاصراً في بيته يواجه جنود الاحتلال الإسرائيلي، حاصرت القوة بيت عائلته ثم أطلقت عليه صاروخاً وقتلت حسان الذي أمضى السنوات الأربع الأخيرة من حياته ملاحقاً من جيش الاحتلال.
بدأت الفرقة الإسبانية حفلتها بتوجيه كلمة تضامن مع الشعوب المظلومة ومنها الشعب الفلسطيني وبعزف مقطوعة لشهدائه. وهي فرقة الفلامينكو الوحيدة التي لبّت الدعوة الفلسطينية. وقدّمت فرقة ألوثيما عرضاً امتاز بحسّية عالية، واجتاحت الجمهور حالة “طرب”، أثارها فيهم فن الفلامينكو الذي لا يخلو من تأثيرات عربية، كان البعض يقول “العرض ذكّرنا كم نحن أندلسيون”.
ولكن العرض في دقائقه الأخيرة أخذ مساراً آخر لم يكن في الحسبان، إذ صعد شاب ملامحه هادئة إلى خشبة المسرح، وسحب الميكروفون من أمام العازفين وأعلن انتهاء “المسخرة”، ووبّخ الحضور وأمرهم بمغادرة القاعة. بدا الأمر أشبه بكابوس. هرب المغنون والراقصون مذعورين وغير مصدقين لما يحدث، وصار لنعالهم التي كانت تدق الأرض قبل دقائق إيقاع آخر مكسور. بعد الحادثة ظهرت تساؤلات كثيرة عن “الجانب المظلم من الوطنية” وعنف الاحتلال الإسرائيلي وقد تفشى في أجزاء من ذاتنا الوطنية؟ وعن المؤسسات الثقافية، هل باتت تستهدف استرضاء الممولين والترفيه عن موظفي البعثات والمؤسسات الأجنبية أكثر من العمل على تنمية المجتمع بشرائحه المختلفة؟ وكان السؤال الأبرز: هل من مكان للفرح في فلسطين؟
قائد المجموعة المسلحة الذي نفّذ “الاقتحام” لم تشغله هذه التساؤلات، وكان في قلبه حسرة كبيرة، إذ قال ما جرى ليس موجهاً ضد الفن وقيم التعددية والاختلاف، وصب غضبه على “استهتار المؤسسة التي أقامت الاحتفال في الشارع المحاذي لبيت جد الشهيد”، لذلك أخذ على عاتقه إنهاء الحفل بهذه الطريقة الفجة، وخصوصاً بعدما “تصرفت إدارة المؤسسة بطريقة سلبية مع طلبات تأجيل موعد الحفل أو إنهائه”. وقد بدا الشاب متأثراً للغاية وهو يسمع العتاب على تصرفه ضد “الفرقة الأندلسية الصديقة الآتية من منطقة محفوفة بالحنين في الذاكرة العربية”.