باريس ــ مهى زراقط
الأرزة اللبنانية التي تكاد تنقرض في لبنان، لا تزال تشكل مصدر سعادة للطلاب اللبنانيين في فرنسا عندما يرون صورتها على باب محل أو مطعم. ووجبة الطعام اللبنانية، وإن لم تكن على أصولها، لا تزال تشكل بدورها الهدية الأجمل بعد يوم طويل من الدراسة أو العمل.
لكن المشهد اللبناني لا يقتصر على الطبيعة الخضراء المتمثلة بالشجرة أو “المازة” المرفقة بسندويش الشاورما.. وإنما أيضاً بسؤال يطلقه حسين ممازحاً على كل وافد إلى مطعمه: “أنت 8 أو 14؟”.
الإجابة عن السؤال غير إجبارية، ولا تغيّر من طبيعة الخدمة شيئاً، ولا سيما منها الهدايا المجانية التي يقدمها حسين للزبائن لكي يخفف عن نفسه شعور تأنيب الضمير لغلاء أسعار بضاعته: “قطعة البقلاوة بألفي ليرة، وورقة العنب بألف... والله أتمنى أن لا يطلب مني أي لبناني شراءهما”. يقول للبنانيين بالعربية، فيما يسأل السيدة الفرنسية عن عدد أوراق العنب التي ترغب في شرائها: «8؟” يسألها فتجيبه أنها تريد العشرات، “إذاً 14؟”.
تعتقد أن البيع عنده يتم بالدزينة، فتخبره أن الدزينة 12 وهي تحتاج إلى دزينتين. يضحك ويكرر سؤاله عن العدد عندما تطلب منه الـكبة المقلية أو Boulettes de viande حسب تعبيرها: “تريدين 8 أم 14؟”.
غير أن التغييرات التي أدخلها حسين على السؤال التقليدي اللبناني “مسلم أو مسيحي” لم تصل إلى الشاب الفرنسي “جيروم” الذي يبادر فور استلام صحنه والجلوس قرب فتاة تخبره أنها لبنانية إلى السؤال من دون استخدام صيغة الجمع كما عادة الفرنسيين: “هل أنت شيعية؟”.
علامات الاستغراب التي ترتسم على وجهها تزداد مع السؤال الذي سيتبعه: “من البقاع أم من الجنوب؟”.
“ألا تعتقد أنك تطرح أسئلة غريبة؟”.
مع هذه الإجابة تعود صيغة “الاحترام” إلى الحديث بين الشابين فيبادرها بالـvous: “سامحيني، لكن أبي في الجيش وهو يتحضّر للسفر إلى لبنان للعمل في إطار قوات الطوارئ الدولية. كان في لبنان في الثمانينيات ونجا من الموت بأعجوبة. كلنا خائفون عليه. ما رأيك (م)؟ هل من داع للخوف؟”.
تخبره أن لا خوف عليه إذا كان قادماً لحماية اللبنانيين لا الإسرائيليين، فيؤكد لها بإشارات من رأسه أن والده يحب لبنان كثيراً “لكنه لا يعرف حزب الله؟ كيف هم؟”. ويتابع ليؤكد حياد الأمم المتحدة: “قبل يومين سمعت في الأخبار أن القوات الاسبانية تصدّت للجيش الإسرائيلي”..
البروفسور الفرنسي بدوره مستمع جيّد لأخبار لبنان، يختصر الحديث مع طالبته عن سير العمل في الأطروحة ليسأل عن تفاصيل الحرب الإسرائيلية على لبنان: “يعتقد رجال حزب الله أنهم ربحوا الحرب، لكن ذهاب الجيش إلى الجنوب هو خسارة كبيرة لهم. أليس كذلك؟”. يستمع إلى الإجابة التي تتيح له أن يقدم الرأي الآتي: “لقد أخطأت إسرائيل في شن حربها. كان الناس قد بدأوا يكرهون حزب الله، لكنهم بعد هذه الحرب لا يمكنهم إلا أن يحبوه، فهو الذي دافع عنهم”.
الانطباع الذي تخرج به الطالبة بعد لقائها أستاذها أنه 8 لا 14..