فيصل طعمة
على بعد أمتار من معهد للتعليم المهني والتقني في بلدة الخيارة في البقاع الغربي يتجمع بعض الطلاب كل صباح في فرن للمعجنات والمأكولات السريعة، يقفون في الصف لأخذ “نفس نارجيلة” وبنكهات مختلفة، هو نفس مهمته أن “يفتح الدماغ” على حد بعض الطلاب. بعد هذا الموعد اليومي يتوجه الطلاب إلى المعهد. “سلوك” طلاب المعهد التقني ليس خارجاً عن المألوف بالنسبة إلىأقرانهم، فقد أصبحت النارجيلة من أول اهتمامات الطلاب، شأنها شأن المواد الدراسية التي يتلقونها في المناهج الأكاديمية، ومعاهدهم المهنية والتقنية، فضلاً عن جامعاتهم، وكأنها أضحت رفيقة دربهم على طول سنوات تحصيلهم العلمي، ولم تعد مقتصرة على جلسات البالغين أو الشيوخ، بل صارت رفيقة سهرات الشبان والشابات وكأنها “موضة العصر”، أو عنوان بلوغهم واستقلاليتهم. تنتشر النارجيلة في شكل كبير ويتجاهل مدخنوها ضررها، ولا يصغون لنصائح الأطباء الذين يتحدثون عن تأثيرها على صحة المراهقين وعلى قدرتهم على التحصيل العلمي. وفي هذا الإطار يكرر أطباء أن إدمان النارجيلة قد يجعل الطالب غير قادر على حفظ دروسه وتضعف قدرته على التركيز. ويقول فريد محمد (صاحب أحد الأفران) في البقاع الغربي: “أملك ما يزيد على خمسين نارجيلة، أقوم بتجهيزها صباحاً، فبعض الطلاب سوف يرتادون الفرن لأخذ نفس نارجيلة بعد تناول فطورهم. ونسجل يومياً بيع ما يزيد على مئة “نفس” نارجيلة، بنكهات مختلفة، فمنهم من يطلب نكهة التفاحتين، وآخر العنب، وآخرون يعتبرون أنفسهم “ضليعين” في تدخين النارجيلة، فيقومون بإجراء خلطة بين النكهات المختلفة. وهناك طلاب أصبحوا زبائن دائمين، يداومون في الفرن أكثر مما يداومون في المعهد. وبصراحة، فإن بيع النارجيلة يجعلني أجني ربحاً أكثر مما أجنيه من بيع المعجنات نفسها، وهي مطلوبة أكثر من الطعام”.
في هذا الفرن وفي مقاه قريبة من الصروح التعليمية تقدم النارجيلة، ويجد المرء صعوبة في شق طريقه إلى الصالات الداخلية وذلك بسبب كثرة عدد الطلاب الموجودين فيها، ويشعر الزائر الجديد بالاختناق بسبب الدخان المتصاعد والعابق في المكان. وعليه أن ينتظر طويلاً قبل أن يتم توفير ما يريده من مأكولات.
وصار من الطبيعي رؤية مجموعة من الطلاب يجلسون في إحدى زوايا الفرن، يتناولون فطور الصباح، مناقيش زعتر أو جبنة ــ من دون أن تغيب عن مجلسهم “النارجيلة اليومية” لتضفي على مجلسهم نكهة الإجاص.
يتحدث الطالب تامر صالح وخرطوم النارجيلة لا يفارق فمه، فيقول: “النارجيلة عند الصباح بتعبّي الدماغ، فأنا أدخن نفس من خلطتي الخاصة إذ أمزج نكهات التفاح والعنب والنعناع. أحضر الخلطة يومياً معي من المنزل بعد تجهيزها، وأطلب من صاحب الفرن توفير النارجيلة”. يأخذ تامر نفساً عميقاً من خرطومها، ويخرج الدخان من فمه وأنفه بكثافة لا توصف، ويضيف: “أنا أعلم مضار التدخين، ولكني اعتدت عليها، لا أستطيع أن أمضي يومي بنشاط من دون تعمير نارجيلتين أو ثلاث بمفردي أو برفقة بعض الأصدقاء، فطعمها أطيب بوجودهم”.