كامل جابر
وقَعَ المؤرخ الدكتور يوسف طباجة على مخطوطة عاملية تاريخية “نادرة جديرة بالاهتمام، من أواخر القرن الثامن هجري، الرابع عشر ميلادي، عن حياة الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني”. ويشير طباجة إلى أن المخطوطة المكتشفة عن حياة الشهيد الأول من مولده حتى قتله، مخطوطة من أهم المخطوطات العاملية المفقودة اكتشفت نسخة عن مختصر لها، في مكتبة المرجع الأعلى آية الله الحاج آغا حسين بروجردي في إيران، وهي بخط أحد أحفاد الشهيد الأول الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي الجزيني الذي عاش في البحرين. ويورد في كتابته المختصرة حنينه إلى بلاد والده وأجداده أي جبل عامل، ما يدلّ على أنّ المخطوطة الأساس “نسيم السحر” خرجت من جبل عامل ولم يحرقها جمال باشا الجزّار، مع ما حرقه من مكتبات هذا الجبل. وهي توضح حقبة مهمة من تاريخ جبل عامل والمنطقة (بلاد الشام) وتحديداً مرحلة الشهيد الأول، في الحقبة الأخيرة من حكم المماليك، أي مرحلة السلطان برقوق وواليه على الشام “بيدمر”. وتأتي أهميتها في تأكيدها حقائق معروفة لدور الشهيد الأول ومكانته الكبيرة في بلاد الإسلام عامة وبلاد الشام في شكل خاص، ومنها علاقته بعلي بن مؤيد حاكم خراسان، ثم علاقته بالسلطان المملوكي برقوق، إذ ترد في هذه المخطوطة مراسلات بين الرجلين على غاية من الأهمية، تكشف علاقة أحد كبار الفقهاء بالسلطان وهي إشكالية تاريخية؟! إذ يطلق السلطان برقوق في إحداها يد الشهيد الأول في بلاد الشام على أنه “... الفاضل المعظم لدينا والصادق المحقّ.. أنت تاج الشريعة ومنهاج وسراج الحقيقة...”. وينسحب هذا الكلام على تلبية فتوى الشهيد الأول بالقضاء على حركة “اليالوشي” المرتد في جبل عامل ومدّعي النبوة، فكان أن جهّز والي الشام بيدمر وبأمر من السلطان برقوق، حشداً كبيراً من العسكر إضافة إلى رجال الشهيد الأول بقيادة تلامذته وتم القضاء على تلك الحركة المرتدة.
تتضمن المخطوطة تفاصيل عن معركة “الشهداء” المعروفة، لكن الأماكن تختلف عما هو متعارف عليه في المصادر والمراجع وفي الواقع “وهذا ما يلزم البحث والتدقيق، وأيضاً قصة قتل الشهيد الأول وأسبابه وفيها تفاصيل جديدة ومختلفة كذلك عما هو معروف إلى الآن”. في المخطوطة قصائد وأشعار جميلة نظمها الشهيد الأول بحق “برقوق” وواليه على الشام “بيدمر”، وهذه القصائد جديدة إذ لم تكن معروفة من قبل ولم ترد ضمن أشعار الشهيد الأول المعروفة. “مخطوطة في غاية الأهمية تكشف مجاهل التاريخ العاملي وحراكه الاجتماعي والسياسي والثقافي، ننكب على تحقيقها ودراستها على أمل نشرها في أقرب وقت ممكن، من دون نسيان فضل العلامة المحقق حجة الإسلام الصديق رضا مختاري وجهوده في عمله الدؤوب على إحياء تراث الشهيدين الأول والثاني”.
ومن الأشعار الواردة في المخطوطة:
أيا بيدمر يا مالك الناس رحمة
أجرني من القوم الوشاة الأعاديا
فلا تسمعن ما قيل فيّ فإنني
بريء وربي شاهد في معاديا
عليم أنساب النبي وآله
وأصحابه الأخيار ذخري وزاديا
كذاك كتاب الله أبلغ شاهد
وتفسيره ثم الحديث رشاديا
ونحو وصرف وفقه وحكمة
وأصلين مع البيان قيديا
وشعر طريف مع عروض
ومنطق وعلم بديع آلتي وزاديا