رامح حميّة
إنه زمن التكنولوجيا وآلاتها التي صارت تتحكّم بكل تفاصيل الحياة اليومية ووسائل التواصل والاتصال، لكن هذا الأمر لم يؤثر على «أبو حسين» المسحّراتي الشهير في بلدة طاريّا البقاعية.
أبو حسين صار عنواناً للتمسك بالعادات القديمة، فهو يجوب الأحياء والزواريب الضيقة، ومعه طبلته الصغيرة منادياً بصوت لا يخلو من النشاز: “يا نايم وحّد الدايم، يا نايم قوم تسحّر”. وغيرها من الجمل التي توقظك وأهل البلدة من لجّة الأحلام ، وتنفض عن الجفون بقايا النعاس، بغية الاستعداد للعبادة من ناحية ولتحضير سحور شهي من ناحية أخرى. نداءات المسحّراتي اعتاد عليها أبناء البلدة ولا يرضون عنها بديلاً، ولا يحل محله منبه إلكتروني ولا منبّه الجهاز الخلوي. لأبي حسين وحده الحق في إيقاظ الصائمين من نومهم.
مسحّراتي طاريا رجل بلغ أخيراً ستين عاماً. يقول إنه رغم هموم الحياة ومشاغلها وعمره الذي ناهز الستين، فلن يتخلى عن مهمته، وقد عاهد نفسه أن لا يخالف التقاليد التي نشأ عليها، ويؤكد أن عمله “طوعي ومجاني”، ويقول: “بهذا العمل أتحدى حداثة العيش، لأن التاريخ لا يرحم الذين يفرّطون بتراثهم»!
لا يعرف الرجل العجوز كيف يشرح فكرته، ولكنه يؤكد أن الحداثة تهدد التراث وأن المسحّراتي يحفظ الأصالة، ولذلك فهو حريص على مهمته. يقول كلماته هذه ويمضي في رحلته الليلية في شوارع بلدته.