أسامة القادري
يوم قرر عبد الكريم إمامة أن يتوقف عن العمل في ورش البناء، لامه كثيرون، لكنه لم يأبه كثيراً وأراد أن يتفرّغ لمهنة عشقها منذ صغره وهي صنع لوحات الفسيفساء.
قبل عشر سنوات تفرّغ عبد الكريم للوحاته وهو يدرك أن هذا الفن الذي انتشر في مدن لبنانية منذ العهد الفينيقي مهدد اليوم بالانقراض في لبنان والعالم العربي. بسبب الدقة التي يتطلّبها انجاز كل لوحة وكلفتها الباهظة من جهة، وانخفاض عدد المشترين من جهة ثانية.
يردد عبد الكريم على مسامع زواره أنه لن “يترك يوماً هذا الفن القديم كقدم الأرض”. في منزله البسيط في بلدة مجدل عنجر يستقـــــــبل الزوار بلـــــوحات مصـــفوفة بلا عناية ولا ترتيب. يمر وقت طويل قبل أن يتنبّه إلى وجود شخص غريب، “فكل أحاســــــيسه مــــــركّزة عـــلى ما بين يديه”. يجلس على مقعده الخـــــشبي العــــتيق، وأمامه طاولة تتوزع عليها الحجارة الرخامية المربعة والملوّنة، يقطعها “بكمّاشة” بكل تأنٍّ وحنكة الى قطع صغيرة لا يقل حجمها عن 2 ملم ولا يزيد على 8 ملم. ثم يبرُدها بـ“جاخه” ليحدّد الزوايا والانحناءات، ويلصق هذه القطع بمادة “الغري” على الصورة أمامه.
حبّه الكبير لهذه المهنة الشاقة كان سلاحه، فعبد الكريم لم يدخل مدرسة تعلّمه الرسم. ويأسف لأنه لا يستطيع ان ينظم معرضاً للوحاته فيركنها الى “الحائط” ويبدو كأنه يقتصّ منها مع تراكم الديون عليه.
في ورشة عبد الكريم تتجاور صور لشخصيات سياسية لبنانية وعربية على رغم اختلاف آراء أصحابها، وهو يأمل أن يتّحد أصحاب هذه الصور، ويقول “الهدف من رسم الشخصيات السياسية على تناقضاتها كان بهدف إبراز وجوههم بكل معانيها وتفصيلاتها... وللأسف لم أستفد من أحد قط، سوى رئيس الجمهورية الذي منحني درعاً تكريمية”، ويضيف: “جاء وفد من وزارة الثقافة اللبنانية قبل سنة، واختار أعضاؤه لوحة تشجيعاً لعملي، وحتى الآن لم يدفعوا ثمنها”.