ليال حداد
إن كان طريق عملك أو بيتك يمر بمستديرة المكلس، فأنت حتماً من أصدقاء أبي عصام. رجل ثمانيني يرتدي قبعة “أصدقاء نسيب لحود” الزرقاء. اسمه يوسف قزحيا طانيوس وهو من منطقة بعبدات في المتن الشمالي ولكنه يفضل اسم ابو عصام كما يقول.
يعمل ابو عصام منذ 15 سنة عند موقف مستديرة المكلس، لا يمارس وظيفة عامة ولا وظيفة ثابتة كما يؤكد “أنا هنا لأتسلى” يردد أمام معارفه.
خدم أبو عصام 32 سنة في الجيش ثم أُحيل على التقاعد ورفض ان يجلس في المنزل من دون عمل لأن “قعدة البيت مش لابو عصام” يقولها والابتسامة لا تفارق وجهه. “يعمل” هذا المسن عند المستديرة طوال أيام الأسبوع، والدوام وساعات العمل “حسب مزاجي” يقول أبو عصام. والمهمات التي يقوم بها متعددة: يوزع القهوة على سائقي الباصات وسيارات الفان، وغالباً ما يرفض ان يقبض ثمنها فالسائقون أصبحوا كأولاده كما يقول “حدا بيقبض من ابنو؟”.
شهرة ابي عصام تعود الى عدة عوامل أبرزها عبارته الشهيرة: “اجا الغــول” ويـــقـــصد بذلك باص الدولة أو الباص الأحمر، وأبو عصام يكرهه لسبب بسيط: “الغول يريد ان يحتكر سوق العمل ولن أسمح له بذلك”. وما إن يظهر هذا الباص حتى تسمع كل الموجودين على مستديرة المكلس يرددون بصوت واحد مع ابي عصام: “اجا الغول”.
عامل آخر أكسب ابا عصام احترام وحب الجميع هو حرصه الشديد على حماية الفتيات اللواتي يقفن عند المستديرة بانتظار الباص، فإذا أخطأ أحد الشباب و“لطش” الفتاة بعبارة معينة لا يتردد ابو عصام في رميه بحجر أو شتمه على مسمع من الجميع.
ابو عصام متزوج وله خمسة أولاد: ثلاث فتيات متزوجات وشابان. يتحدث عن بناته بفرحة لا مثيل لها وبفخر كبير، أما الشابان فـ“مش نافعين” يقولها بحسرة ويختم الحديث عن عائلته بقوله: “يا ويلو اللي ما بجيب بنات، الشباب بجيبو الهم”.
واذا سألت ابو عصام عن قبعته الشهيرة يجيبك بثقة كبيرة: “الأستاذ نسيب لحود ابن ضيعتنا فلماذا لا نحبه؟” ويردد على مسمعك بيت عتابا ألّفه خصيصاً للحود يوم الانتخابات النيابية الأخيرة. ومع ذلك لا يهتم ابو عصام بالسياسة “كلن أضرب من بعض لا قومي ولا اشتراكي ولا كتائبي”. أما القديس شربل فهو صديقه الدائم “عندما أملّ العمل أتكلم مع مار شربل هو الوحيد الذي يفهمني”.
بعيداً من أمور السياسة والدين يهتم أبو عصام بالفن ويؤكد أن ثقافته الفنية واسعة، ويطعّم حديثه مع أصدقائه بأغنية بالفرنسية يصعب فهمها بسبب أخطائه الكثيرة، وأسلوبه الفريد في الغناء وتمايله مع أنغام الأغنية يجذب أي مستمع.
هذا هو ابو عصام “حاكم مستديرة المكلس وملكها” كما يحلو لسائقي الباصات الخاصة ان يسموه، لا يتعب من العمل ولا يتذمر ولا تفارق الابتسامة محياه ولا يغيب البريق عن عينيه الزرقاوين.