ليلى دندشي
يستذكر المسنّون من أهالي بيروت كيف كان آباؤهم وأجدادهم يمضون أيام العيد، وينقلون عنهم اجتماعهم صبيحة العيد في ساحة “باب المصلى” أو باب السرايا، وكانت هذه الساحة تقع غربي السرايا الحكومية وكانت تقوم عليها سوق سرسق الشهيرة، وشرقيها كان الطريق المؤدي الى محلة المدور عند المرفأ، وإلى الجنوب كان “خان الوحوش” و“سهلات البرج” أو ساحة الشهداء.
وكان أهالي بيروت يقصدون ساحة المصلى التي تفرش بسجادات “الحصر” لعامة الناس، وتفرش لأصحاب المقامات بسجادات الصلاة، كل بحسب رتبته وأهميته السياسية أو الاجتماعية.
وكان المنبر النقال حاضراً في كل عيد، وبعد الصلاة والاستماع الى الخطبة، يُقبل الأهالي على “معايدة” بعضهم بعضاً، فلا يضطر أحدهم بعد ذلك إلى زيارة الآخر في منزله لتهنئته بالعيد.
أما المكان الذي كان مركز تجمّع الناس للهو والتسلية في أيام العيد، فكان يقع في الأرض الخالية خارج سور المدينة من جهة الجنوب، وهو المكان الذي عرفه أهالي العاصمة باسم “شيخ الشربة”.
ويقول الشيخ عبد الجواد القاياني في كتابه “نفحة البشام في رحلة الشام” عما شاهده في عيد بيروت عام 1880 ميلادية: “إن عوائدهم (أهل بيروت) ان يصلوا ثم يرجعوا ويزور بعضهم بعضاً في بيوتهم، فيقدمون للزائر شيئاً من الحلوى على صينية صغيرة في يد الخادم، أما الحلوى اليابسة الجافة فيتناول منها الضيف بيده قطعة أو قطعتين ويأمر الخادم بالانصراف”.
أما السائح الفرنسي بيروكيبه الذي زار لبنان عام 1433 فقد وصف العيد في بيروت قائلاً “... ورأيت في بيروت المسلمين يحتفلون بعيدهم على طريقتهم التقليدية”.
بدأ الاحتفال، كما وصفه بيروكيبه، مساء عند الغروب، وأخذت جماعتهم تسير هنا وهناك فرحة بالعيد تهزج بالأناشيد وأخذت مدافع القلعة تطلق قذائفها وشرع الناس يطلقون عالياً في الفضاء صواريخ يفوق حجم الواحد منها حجم أكبر قانون عرفته. وقال: “وقد علمت انهم يستخدمونها (أي الصواريخ) لحرق المعسكرات والقرى المؤلفة من بيوت خشبية، ولإشعال النار في أشرعة سفن أعدائهم وهي في عرض البحر، وبثّ الذعر في خيول أعدائهم في الحرب، وذلك لسهولة صنعها ويسر أكلافها”. وأضاف: “ولما كنت شديد الرغبة في الوقوف على سر صنع هذه المقذوفات، فقد أرسلت أحد الخدم الى واحد ممن يصنعونها يطلب منه أن يوقفني على طريقة تركيبها، فاعتذر بأنه لا يجرؤ على ذلك لما يكتنف مثل هذا العمل من مخاطر اذا افتضح الأمر، غير انه بواسطة الرشوة فقد اطلعت على السر بعدما نقدته “دولة”، عملة ذلك الزمان، فذهبت مخاوفه وأعطاني قوالب لصنع الصواريخ والمواد التي تتركب منها ومواد أخرى لصنعها فحملتها معي الى فرنسا”!..
وهكذا انتهز هذا السائح الفرنسي مناسبة العيد في بيروت وسرق سرّ صناعة الصواريخ البيروتية واطلع قومه على هذه الصناعة الحربية، وبذلك عرفت أوروبا صناعة البارود من العرب لتضربهم به في ما بعد!..