نقولا رجيلي
قبل عشرين سنة عرف محمد أحمد طعمة شهرة كبيرة في قرى قضاء بعلبك، سمّاه الأهالي “أبا رمانة” الذي يكتشف المياه في الأرض من خلال غصن الرمان.
بدأ طعمة “عمله” هذا قبل أربعة عقود، لكن شهرته تأخرت قليلاً. ويقول الرجل السبعيني “فرحة عارمة تغمرني عند تدفق المياه من البئر الارتوازية التي اكتشفتها”.
“سر المهنة” بالنسبة إليه يكمن في عملية بسيطة كما يقول، تبدأ بقطع غصن من شجرة الرمان وتقليمه ليتخذ شكل الرقم العربي سبعة أو الحرف اللاتيني (V) بطول عشرين سنتيمتراً لكل ضلع من الرقم أو الحرف، ثم التقاطه بكلتا الـــيدين بين الأصابع وضمه بقوة إلى الصدر والتجوال في قطعـــة الأرض المـــــراد البحث فيها عن مياه، وعند الوصول إلى مجرى المياه المفترض يتحرك الغـــــــصن بطـــريقة دائرية نحــــو الأرض وبجاذبية خارجة عن إرادته، ويمكن من خلالها تــــقدير كمية المياه وعمقها بحسب سرعة حركة نزول غصن الرمان نحو الأسفل.
عملية أبي رمانة البدائية في اكتشاف المياه الجوفية ناجحة جداً كما يؤكد “منذ 40 سنة أكتشف المياه، ولم أفشل، لأكون دقيقاً لقد حققت النجاح خلال مسيرتي بنسبة 80 في المئة”.
وعن سبب تميّزه في عمله يقول وهو يرفع يديه إلى السماء “هذه نعمة ربانية!”، وعما إذا كان يشعر بأية عوارض صحية بسبب نشاطه المتعب يتنهد قائلاً “لقد انهدّ حيلي على مرّ السنين، فبعدما أكتشف المياه في مكان ما أشعر بإرهاق شديد وبإعياء ويتصبب العرق من رأسي حتى أسفل قدميّ”.
قليلون هم الأشخاص الذين يتمتعون بصفات أبي رمانة ولا يزال هو الأبرز بينهم، يثق به كثيرون وينصحون كل من يرغب في شراء أراض زراعية بأن يستفيد من خدماته لمعرفة إذا كانت هذه الأرض تختزن المخزون الكافي من المياه.
“استشارات المهندسين لا تغني عن خدمات أبي رمانة”، كلمات ينصح بها معظم أهالي المنطقة على الرغم من وجود آلات حديثة لهذه الغاية ولكن الأكلاف المادية عالية.
المال لا يشغل بال أبي رمانة كما يؤكد أصدقاؤه، وقبل خروج المياه من باطن الأرض يكتفي الرجل العجوز بأي مبلغ يمنح له، مع الإشارة إلى أنه يسكن في منزل متواضع جداً ولا يعد من الميسورين.
قصص كثيرة عاشها أبو رمانة ولا يزال يرويها لزواره، ولكن أطرفها حادثة وقعت قبل ثلاثين سنة، إذ بعد تحديد مكان وجود المياه وتقديره الكمية بحوالى 3 إنش (والإنش هو المقياس الرائج بين الأهالي)، طلب منه أحد الأشخاص المسنين “زيادة كمية المياه لقاء مبلغ مئة ليرة لبنانية ينقده إياها بعد خروج المياه من الأرض”، ونظراً إلى بساطة ذلك الرجل قبل أبو رمانة بأن “يزوّد” له كمية المياه وادعى أنها ستبلغ 5 إنش، ولكن النتيجة جاءت مغايرة إذ بلغت الكمية 3 إنش، وكان نصيب أبي رمانة مجموعة من الشتائم والسباب التي لم تنته إلا بعد مغادرته المكان من دون أجر.