صباح أيوب
هل تخيّلت يوماً ان يسجّل اللبنانيون أسماءهم على «لوائح انتظار» لـ... شراء ساعة يد؟ هذا ما يحصل اليوم. وهذا ما كان يحصل منذ بداية العام تقريباً في المحال التي تبيع منتجات تلك الشركة السويسرية الشهيرة لصناعة الساعات.
أكثر من 200 اسم «ينتظرون» دورهم اليوم على لوائح فرع واحد من فروع بيع هذه الماركة من الساعات في بيروت بغية الحصول على الساعة «النجمة» هذه، أكثر من 200 زبون «يعيشون على أمل» ان يتصل البائع يوماً، ويدعوهم لتسلّمها. أما الساعة، فهي ثاني أجدد ابتكار لتلك الشركة. مميّزاتها عادية جداً فهي ليست مرصّعة بأي نوع من الأحجار أو المعادن، وغير مجهّزة بكاميرا ولا بهاتف نقّال ولا تساهم بخفض الوزن، لا شيء من هذا كله، هي ذهبية اللون، «ضد الميّ»، وتحتوي على عدّاد فقط لا غير. فما سرّ ذلك الهوس بها إذاً؟
زحمة سيارات أمام المحلّ، وزحمة «نسوان» داخله، أيادٍ تمتد وأعناق تشرئبّ، «هل لي أن أراها؟»، «هل في إمكاني قياسها؟»، «ألم يحن دوري بعد؟»، عيون شاخصة إلى تلك العلبة الزجاجية الموضوعة في زاوية خاصة من الواجهة، والنظرات لا تشيح عنها إلا لترمق الفتاة التي حصلت على الساعة التي في داخلها. يمكنك ان تصادف هذا المشهد بتفاصيله في أي يوم من أيام الأسبوع، اذا قصدت احد المحال التي تبيع تلك الماركة من الساعات. فتعيش زحمة التهافت على الساعة النسائية الأكثر «انتظاراً» ومبيعاً في لبنان منذ بداية عام 2006، (مروراً بتمّوزه ضمناً). فلمَ كل هذا الاقبال؟
«عذراً، ولكنها محجوزة.. جميعها»، ربما يكمن الجواب هنا، في الجملة التي يرددها البائع على مسمع كل زبون يسأل عن امكانية حصوله على تلك الساعة. سرّ الانجذاب الى كل ما هو «محجوز» و«ذو كمية محدودة» ويتطلّب «لوائح انتظار» للحصول عليه. وقد اقترب من درجة الهوس عند البعض في لبنان. تكتيك قديم في السياسات التجارية، لم يتوقع أصحابه ان ينجح الى هذا الحدّ، وخاصة في بلد «منكوب» اقتصادياً وسياسياً ومعيشياً كبلدنا. سياسة لم تتطلب حملة اعلانية أو حتى صفة خارقة جذابة أو معصم نجم ما لتسويقها، لا بل نسفت تلك الظاهرة، الميزة التي طالما اشتهرت بها النساء عامة وهي نبذ ما يمتلكن اذا ما شاهدنه مع غيرهنّ. ولكن ما استُثير هذه المرة هو غريزة القوة والقدرة على الأسبقية في الحصول على ما هو «محجوز وبالغ الصعوبة في الامتلاك».
تشكّل الطبقة الشرائية في لبنان، التي يخيّل إليك انها تتضاءل مع انخفاض مستوى المعيشة في البلد، أسهل أنواع «الزبائن» للتجار وأمتع أنواع «الأهداف» للمراقبين. فهي دائماً حاضرة لتلبية كل «ابتزاز تجاري» وإنجاح كل مخطط لزيادة الأرباح، مهما كانت الظروف المحلية والاقليمية والعالمية.
أخيراً تجدر الإشارة إلى أن IRONY هو اسم السلسلة التي تنتمي إليها تلك الساعة، وهو إذا ترجم الى العربية يحمل أيضاً معنى التهكّم والسخرية.