كامل جابر
بعد 71 سنة على رحيل المخترع الراحل حسن كامل الصباح صار له نصب تذكاري، تمثال برونزي لجسد كامل يكرس عودته إلى النبطية، المدينة التي خرج منها إلى آفاق الإبداع والاختراع ورجع شهيداً بحادث سير غامض.
أنهى الفنان الجنوبي شربل فارس تفاصيل التمثال، وبات ينتظر، منذ ما بعد توقف العدوان الإسرائيلي على لبنان أن تتسلمه منه «لجنة الصباح الوطنية» المعنية بذكرى الصباح لترفعه عند المدخل الشمالي للنبطية.
أبدعت أنامل فارس نحتاً في تفاصيل الرجل الذي رحل شاباً، وظلت سيرته تعرش بذاكرة أبناء المدينة، بعدما صار جزءاً من الذاكرة الوطنية؛ معتمداً في تكوين التشخيص على صور قليلة ظلت متناثرة، أو مغيّبة عن التداول. ويظهر صاحب التمثال حاملاً بيمناه كراسه الذي نهل من مـــــــــفـــــــرداته أحرف اللـــــغة العربية، فتمكّن منها، وقواعد الرياضيات ومسائل العلوم وفنون الهندسة، فأهّلته ليلج عالم الإبداع والاختراع.
يعود الصبّاح بجسد برونز في العقد الرابع من العمر، إذ إنه قضى قبل أن يتجاوز نصفها، وفي وقت ينسجم مع الذكرى الـ111 لولادته؛ فيشمخ منتصباً بديلاً من صورته المرسومة بالكوفية العربية وعقالها، بطلعته الحقيقية المستمدة من صورته الأخيرة في النعش الآتي من نيويورك، وبعض الصور اليتيمة الباقية. وليسكن في قلب المدينة، وارفاً بعض ظله، قوس تحية تومئ للداخلين العابرين إلى مدينته، التي كانت قرية كبيرة بين أترابها، يوم رحل؛ بعد أن بدّد الإهمال دار أهله.
لم يكن قرار النصب التذكاري للصبّاح حديثاً بل يعود إلى سنوات غير قليلة، تخللتها تجربة أولى، باءت بالفشل؛ فضاعت المبالغ التي صرفت على المشروع هباءً.
وضع شربل فارس بين عامي 1992 و1993 عملاً طابعه متحفي، وذلك بناءً على طلب من «لجنة الصبّاح الوطنية»، تتداخل فيه عوامل التمثال والكهرباء والاختراعات والبث التلفزيوني، ونفّذ الماكيت لهذا المشروع الكبير، غير أنه سرعان ما طويت ملفاته. وبعد استقامة الأمور وتوافر المبالغ المطلوبة من رجل الأعمال عصام أبو درويش، عهد إلى فارس أمانة نحت النصب «لموهبته وإلمامه وتجربته، المتجسّدة خصوصاً في تمثال الشهيد حكمت الأمين في مستشفى النجدة الشعبية اللبنانية عند المدخل الشمالي للنبطية» بحسب أمين سر اللجنة الدكتور كمال وهبي.
المبادرة قد تكون غير مكتملة، فالنصب سيعتلي الشارع العام ويتوسطه، متحرراً من حديقة تحتضنه وتحميه، وخط دفاع يمنع عنه صدمات محتلمة، تعرضت لها سابقاً القاعدة التي انتصبت عشرات السنين لتحمل الصورة وليس الشكل. فضلاً عن عوامل المفاجأة التي يكرسها المنظور عن مسافة لا تتجاوز ثلاثين متراً، تأتي بعد منعطف ومنخفض نحو ارتفاع، للقادم إلى النبطية من شمالها. من هنا كانت حبكة الفنان فارس في توفيق متقن وخبير، بين حجم التمثال، الذي كان يتمناه مضاعفاً، طولاً وحجماً، عن حقيقة صاحبه، فاستقر به على نحو مترين وعشرة سنتيمترات، مع انحراف جانبي للنصب الواقف يمنع استقامة زاوية الرؤية للقادم نحو النبطية، واستدارة الظهر عرضياً للخارج منها.