كان | كانت المفارقة فاقعة عصر أمس بين مظهر النجمة شارليز ثيرون، وهي تختال على البساط الأحمر بكامل زينتها، وبين الصورة السوداوية التي ظهرت بها في فيلم «ماد ماكس، طريق الغضب» لجورج ميلر. المعلم الاسترالي حرص على كسر الصورة النمطية لحسناء هوليوود القادمة من جنوب افريقيا. للظفر بشرف تقمص شخصية الشريرة الأشهر في السينما «فوريوزا» التي سبق أن تناوبت على أدائها في أفلام «ماد ماكس» الثلاثة السابقة، الاستراليتان جوان صامويل (١٩٧٩) وبريس سبنس (١٩٨١) والأميركية تينا تيرنر (١٩٨٥)، اشترط ميلر على ثيرون الظهور حليقة الرأس، وقد تفحّٓم النصف العلوي من وجهها ورأسها من آثار حروق نجمت عن حادث دراجة نارية! ولم يكن مفاجئاً أن يشكل «ماد ماكس» العائد إلى الشاشة بعد ثلاثين سنة من الغياب، الحدث الأبرز هذه السنة، في استعراض البساط الأحمر.
هذه الشخصية التي خرجت من مخيلة جورج ميلر الخصبة أيام كان طبيباً شاباً في «مستشفى سيدني المركزي» أواخر السبعينات، عرفت نجاحاً عالمياً على الفور.
«ماكس» الشاب المتمرد الذي يتقلب بين مغامرة وأخرى، في رحلات تيه طويلة، على متن دراجته النارية، تحول رمزاً للأزمة الوجودية التي تولدت لدى شباب العالم، في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، بعدما بدأت تتبخر أحلام الثورات الاجتماعية
الستينية.
الشعبية العالمية التي يحظى بها «ماد ماكس» وخولته البقاء ماثلاً في الأذهان، والعودة الى واجهة الشاشات العالمية (بدأت عروضه التجارية تزامناً مع عرضه في «كان» أمس) بعد مرور ٣٦ سنة على ابتكار هذه الشخصية (عام ١٩٧٩)، وثلاثين سنة على آخر ظهور له على الشاشة (عام ١٩٨٥)، فسٓرها جورج ميلر أمس في المؤتمر الصحافي للفيلم، بقوله: «هذه الشخصية المتمردة، التي ترفض الظلم وتتصدى للأشرار، هي أشبه بـ مسيح عصري على دراجة نارية»!
لكن هذه العودة الموفقة التي استُقبلت بكثير من الحفاوة، نقدياً وجماهيرياً، لا يمكن تفسيرها فقط بالإشكالية الأزلية المتعلقة بثنائية الخير والشر أو بصراع الأجيال والتمرد الشبابي الذي يشكل إحدى التيمات الأثيرة للفن السابع. لقد حرص جورج ميلر على تطعيم قصة هذه النسخة الجديدة من «ماد ماكس» بلمسات ذات منحى بيئي، لمسايرة روح العصر. الأشرار الذين كانوا سارقي النفط ومحتكريه عام ١٩٧٩، أصبحوا محتكرين لثروة أخرى أصبحت نادرة في نسخة ٢٠١٥، وهي الماء!