بسام القنطاربعد أن اكتسب شهرة واسعة في مجال صيد التماسيح وغيرها من الكائنات البحرية الفتاكة، توفّي أمس الأوسترالي ستيف إيروين بلسعة شعنين بحري (الراي اللسّاع)، وهو نوع من السمك البحري العريض، في ذيله إبرة سامّة.إصابة إيروين (44 سنة) حدثت أثناء تصوير فيلم وثائقي تحت الماء قرب الحاجز الكبير للمرجان قبالة بورت دوجلاس في ساحل أوستراليا الشمالي الشرقي. وأعلن المسعفون الذين وصلوا على وجه السرعة بالمروحية وفاة إيروين في موقع الحادث، بعد فحصه واكتشاف ثقب سبّبته اللسعة فوق قلبه مباشرة.
وتمتاز هذه السمكة بهدوئها ولاعدائيّتها. فمن النادر أن تهاجم الغطّاسين الذين يمرّون عادة بقربها. لا يشكّل الخبر صدمة كبيرة. الصدمة هي بقاء إيروين على قيد الحياة حتى هذه اللحظة.
خلط إيروين بين الطبيعة وهوليوود، وحاول أن يصور لنا ضمن سياق تشويقي مميز أن الطبيعة ليست سوى أداة طيعة بيديه، يستطيع التحكم بها، وبالتالي التحكم بالمشاهدين من خلال إبقائهم مسمّرين على الشاشة الصغيرة، فيما يتعقّب هو تمساحاً أو ثعباناً أو فيلاً.
حاول إيروين أن يباغت شعنين البحر، وأن يظهر قدرته على التحكّم، فعاجله القدر بلسعة صغيرة كانت كافية بأن تفقده الحياة، وهو الذي نجا مرات عدة من فكوك التماسيح ولدغات الكوبرا وهجمات النمل الأحمر ولسعات النحل البري القاتلة. يملك ستيف إيروين حديقة حيوانات في ولاية كوينسلاند شمال شرق أوستراليا، ويتمتع بشهرة دولية منذ أن بدأ تقديم برنامج يظهر فيه وهو يقترب بجرأة من حيوانات خطرة. وحظي بشهرة عالمية لأساليبه الجريئة في تعقّب الثعابين السامة والتماسيح المفترسة وغيرها من الكائنات الفتّاكة، لكنه أثار موجة غضب عام 2004 عندما كان يحمل ابنه البالغ من العمر شهراً واحداً، بينما كان يطعم دجاجاً نافقاً لتمساح مفترس يبلغ طوله أربعة أمتار. وقد برر هذه الخطوة برغبته في توعية الناس حول مخاطر الطبيعة.
سجّل إيروين قرابة خمسين فيلماً وثائقياً ضمن سلسلة «صائد التماسيح» التي عرضتها قناتا «أنيمال بلانيت» و«ديسكوفري» التلفزيونيتان، ولقيت إقبالاً جماهيرياً واسعاً. وتوقفت السلسلة بعد الانتقادات التي واجهها إيروين في ما يتعلق بواقعة ابنه الصغير، وكذلك لإزعاجه الحيتان وحيوانات الفقمة وطيور البطريق أثناء التصوير في القارة القطبية الجنوبية. مقتل إيروين «الطبيعي» والمأساوي في الوقت نفسه، يجب أن يحفزنا على الفصل بين ما هو بشري وما هو بيئي، بين ما هو «جوّي» وما هو «برّي». ويجب أن نبحث في أسباب الفصل والتمايز بين «البشرية» وسائر الكائنات، وفي أسباب تمييز الإنسان واعتباره مخلوقاً خارقاً ومتحكّماً بكل المخلوقات الأخرى.
كان إيروين يظنّ أنّه يعيدنا افتراضياً إلى الحياة البرية عبر البحث في أصل الأشياء، لرصد ما أحدثه الإنسان وتكنولوجياته من تأثير. لكنه كان يستخدم في هذه العودة التكنولوجيات نفسها التي تزعج الطبيعة وتخلّ بتوازنها. ولقد أصبح ثابتاً اليوم أن نشاط الإنسان وعمله قد ساهما، بشكل أو آخر، في اختلال النظم الإيكولوجية، وبالتالي تتحمل الأنظمة التي وضعها الإنسان، خصوصاً تلك التي تدخلت في حياة الطبيعة وحياة الكائنات الأخرى، مسؤولية تهديد البيئة وتدميرها، ومسؤولية انتقام الطبيعة منها ولو بعد حين.