نقولا طعمة

أخيراً، زحفت فراخ السلاحف من أعشاشها في الرمال الكثيفة لجزيرة النخل في شمال لبنان، فامتدت يد المراقب البيئي عصام الصيداوي، تستقبلها بفرح كمن يستقبل أولاده بعد سفر طويل، ويردّد والابتسامة تطغى على ملامحه: “منذ عامين ونحن ننتظر ظهور “أصحاب الجلالة”. ويقول الصيداوي المولج بتطبيق أنظمة الحماية على المحمية “منذ أيار 2004 حتى اليوم، نقوم بمراقبة حركة السلاحف البحرية لمنع الأذى الذي قد تسببه لها عناصر طبيعية مختلفة. يوم الجمعة الماضي خرجت السلاحف الصغيرة من مخابئها”.
محميّة جزر النخل أحد أهم مواقع الحماية للسلاحف البحرية المهدّدة بالانقراض في البحر المتوسط. وهذه الأخيرة نوعان: السلحفاة البحرية “الضخمة الرأس” (Loggerhead) ويتعارف البيئيون عليها بتسمية “Caretta Caretta”، و“سلحفاة البحر الخضراء” (Green Sea Turtle). ومن أبرز العوامل التي قد تسبب انقراضها بطء توالدها، وكثرة أعدائها. ويلفت الصيداوي إلى أن “السلحفاة بعد أن تبلغ من العمر عشرين سنة، تضع بيضاً مرة كل عامين، ولا تبيض إلّا في الموقع الذي ولدت فيه”.
في رحلة في الجزيرة، يشير الصيداوي إلى وجود ستة مواقع للإباضة عليها هذا العام، وفي كل موقع ثلاث حفر، ولا تبيض السلحفاة إلّا في موقع واحد منها، وتضع 90 إلى 100 بيضة. ويقول الصيداوي: “ننتظر أن تبيض السلحفاة خلال شهور أيار وحزيران وتموز من كل عام. ثم تتم عملية التفقيس بعد 45 إلى 47 يوماً”. تنفّس المهتمّون بالبيئة الصعداء بعدما ولدت سلاحف بحرية جديدة، فهي مهددة بالانقراض لأسباب متنوعة، ويقول الصيداوي: “تبدأ المخاطر بالإنسان الذي يمكن أن يكون أكثر المستهلكين لها وللمنتجات المصنّعة منها، إضافة إلى الاصطياد العرضي لها وتدمير مواطنها. وتشكل بعض الحيوانات خطراً كبيراً على السلاحف البحرية، منها الطيور الجارحة كالباشق والنسر، والزواحف كالثعابين، والفئران والجرذان. أما الثعالب فترى السلحفاة وبيضها أطيب مأكولاتها، وتستطيع كشف مخابئها تحت الرمال، وإذا تمكّنت منها، تستطيع القضاء عليها. ولذلك تعدّ الثعالب من أخطر أعداء السلاحف”.
يلفت الصيداوي إلى أن “لهذه السلاحف عدّة أدوار في الحفاظ على التوازن البيئي في البحر. فهي تأكل العشب اليابس في قعر البحر لتظهر أعشاب جديدة تشكّل حاضنات لبيض الأسماك المختلفة، كما تستطيع أن تأكل قناديل البحر”.
في أواخر آب تحقق ما انتظره البيئيون سنتين، فبعدما توقعوا أن “يفقس” البيض بين أيار وتموز، ولدت السلاحف في نهاية الصيف الذي كان قاسياً جداً هذا العام على لبنان. والصيداوي، على رغم فرحه الكبير، حمل أربع سلاحف صغيرة وقام بتحنيطها بسائل كحولي خفيف، وبرّر “اعتداءه هذا على السلاحف بأنه يجري عليها أبحاثاً علمية، واستنتج أن نمو السلاحف يتم بشكل أفضل حيث ترتفع الرطوبة”. وفي ختام حديثه عن السلاحف، قال: «السلاحف التي ولدت هذا العام كانت من الجنسين».