نزيه الصديق

لا يزال أحمد الصايغ (43 سنة) ينزل صباح كل يوم في فصل الصيف إلى ساحة «جمال عبد الناصر» وسط مدينة طرابلس، يبيع للمارّة عصير الليموناضة وعصير عرق السوس.
يقف أحمد في الساحة حاملاً على كتفه الأيمن المصبّ أي الوعاء التقليدي المصنوع من النحاس الأبيض، تعلوه لأكثر من متر شراشيب مزدانة، مخصصة للفت الأنظار.
يروي أحمد، الذي يعمل وشقيقه عمر في المهنة نفسها، أهمية عمله “للحفاظ على التراث وكسب لقمة العيش”. يسير وهو يطلق “شعاراته”، مردداً عشرات المرات يومياً “تعا بورد يا مشوّب”، و“قرّب يا عطشان ... الليموناضة بتصحّي الراس”، و“يلّي بيشرب سوس ما بيمرض”. يجول في الساحة والأحياء القريبة منها، وهو يلبس الشروال، ويعتمر الطربوش الأحمر، ويزيّن المصبّ بالورود، باحثاً عن رزقه لدى زبائن ينتظرونه في مثل هذه الأيام من السنة. ويذكر كبار السن القول الشائع: «عجبت لامرئ يمرض، وفي بلده عرق السوس».
يعود زمن استخدام المصبّ، حسب المؤرّخين، إلى العصرين المملوكي والعثماني، حيث كانت صناعته مزدهرة في مدينة البصرة العراقية وفي مدن أخرى، وصولاً الى سوريا وتركيا. ويحتفظ أحمد بـ 20 مصباً من عدة دول. ولا يخفي حرصه على أن يستمر أولاده بالمحافظة على سلامة المصبّات التي توارثها أفراد عائلته عبر الأجيال.