strong>الدمار الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي على لبنان كبير، وإذا كان التركيز على المباني السكنية والتجارية المهدمة قائماً فإن المواقع الأثرية أو السياحية التي تعرضت للقصف لا تلقى اهتماماً كبيراً.بلدة الخيام الجنوبية شاهدة على الدمار الذي طاول الحجر وإن كان يؤرخ لسنين طويلة من التاريخ.
ولم يسلم المستشفى البريطاني، الذي تحول إلى متحف قبل عام تقريباً، من القنابل وصواريخ الطائرات الإسرائيلية.

جوان فرشخ بجالي

قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان، كان أمل بلدة الخيام في مردود مالي يأتيها من قطاع السياحة لا يزال قائماً، وقد كان للبنان موقع تاريخي يعود لفترة الحرب العالمية الثانية ومتحف يجسّدها، إلا أن ذلك لم يعد قائماً. فالسلاح الاسرائيلي الذي شارك في معارك سهل الخيام، دمّر المستشفى البريطاني العائد لفترة الحرب العالمية الثانية تدميراً شبه كلياختلفت الصورة جذرياً عما كانت عليه قبل العدوان، صارت الارض التي كان المستشفى قائماً عليها تبدو كأنها محروثة، وما كان قد بني في جوفها مختفياً تحت الأرض اصبح ظاهراً للعيان، وصار السقف جداراً واقفاً بين الانقاض من شدة ضغط القصف الذي تعرّض له المستشفى...
دمّرت الغارات الاسرائيلية ستين سنة من التاريخ في الخيام، إذ إن هذا المبنى كان قد بني لحماية المرضى من الغارات الجوية.
خلال الحرب، أو تحديداً بين عامي 1941 و1943، شُغل المهندسون البريطانيون المتمركزون في جنوب لبنان ببناء هذا المستشفى العسكري الضخم في سهل الخيام، وقد اختير هذا المكان لأن أهم قواعد عسكرية وخنادق، وحتى مطار حربي، كانت قائمة فيه.
لضمان سلامة الجرحى، بُني المستشفى في حقل من الزيتون على عمق خمسة امتار، وزُوّد فتحات هوائية وصُفحت ابوابه، واستخدمت في تشييده كل التقنيات المستخدمة في تلك الفترة ليصمد في المعارك.
شيّد البريطانيون المستشفى تحسباً لنتائج معارك اعتقدوا أنها قد تمتد إلى الخيام، لكن اللبلدة الجنوبية نجت من نيران الحرب، وبقي المستشفى الجديد على حاله كما تركه البريطانيون: الاسرّة في مكانها في الغرف، والآليات كما وضعت منذ اكثر من نصف قرنحتى حولته مؤسسة مرسي كوربMERCY CORPS سنة 2005 الى متحف بتمويل من الوكالة الاميركية للتنمية الدولية USAID.
ويقول كريس بوليتيس مدير برنامج هذه المؤسسة “إن متحف الحرب العالمية الثانية كان اكبر مشاريع التنمية السياحية التي عملنا عليها في منطقة جنوب لبنان. وارتفعت تكلفة تأهيل المستشفى وتحويله الى متحف الى مليون ومئتي الف دولار اميركي. وكان مجهزاً بقاعة عرض وصالة انترنت ومكتبة فيها ما يزيد على خمسمئة كتاب ووثيقة عن الحرب العالمية الثانية. وأنشئت في جواره ملاعب للاطفال ومطاعم للزوار”.
ولكن الغارات الاسرائيلية المتتالية على الموقع، لم تترك شيئاً من كل هذه الإنشاءات. والجدير بالذكر هنا، أن ما من سبب ظاهر يفسر استهداف المتحف بهذه الطريقة. هل كان الاسرائيليون يخشون أن يستعمله مقاتلو حزب الله مخبأ للسلاح او نقطة للهجوم فدمروه؟ كل الاحتمالات ممكنة، الا أن النتيجة التي نراها بأم العين في الخيام واحدة، وهي أن المستشفى مدمر، ولو أنه استعمل مخزناً للاسلحة لاشتعلت فيه النيران حين قصف، وهذا ما لم يحدث.
وتُعدّ إعادة إعمار المستشفى أمراً غير وارد لاسباب علمية ومادية. فالمبنى يعود الى حقبة تاريخية معينة كانت تستخدم خلالها مواد وطرق هندسية “قديمة”. لذلك يُخشى أن تُعدّ “إعادة إعمار المستشفى” وفق المعايير والمواد المعروفة حالياً عملية تزوير للتاريخ. هذا بالاضافة الى أن التشريعات العالمية للترميم تحرّم إعادة الإعمار الشاملة. الا أنه يمكن ــ بعد التأكد من خلو الموقع من المواد المتفجرة والقنابل ــ تنفيذ حفريات اثرية تظهر ما لم يدمر بالكامل، وترميم هذه الاجزاء البسيطة وإقامة معرض للصور والمجسمات تظهر المستشفى كما كان، ويعدّ العدوان جزءاً من تاريخه. فينقذ بهذا الاسلوب الموقع كشاهد على التاريخ ويبقى له دور في استقطاب الزائرين. لكن تكلفته المشروع مرتفعة، وكانت مؤسسة مرسي كورب قد دفعت مبلغاً كبيراً حين حوّلت المستشفى إلى متحف، لذلك لا يعتقد كريس بوليتيس “ان بالإمكان اليوم، وفي منطقة عاشت حرباً، أن نوجه المساعدات نحو قطاع السياحة. فالانماء الاقتصادي للمنطقة، وتأمين المساعدات الانسانية يمثّلان جزءاً من اولوياتنا حالياً”. ويبقى السؤال: هل يكون مصير المستشفى العسكري البريطاني خلال العقود المقبلة هو النسيان؟