رامي بليبل
لوحات مرسومة بفن ودقة وإتقان على جانبي الطريق إلى بلدة الهرمل البقاعية وفي الساحات العامة والمنتزهات، تشد نظر الزوار إليها، بعضهم يقول إنها أجمل ما وقع عليه نظره. فسيفساء حجارتها الصخرية البرتقالية استمدت لونها من بريق الشمس، هي حجارة صلبة وطيّعة كما يصفها المعماريون.
من يقصد البلدة في رحلته إلى نهر العاصي يشاهد هذه الحجارة في كل مكان. فقد دأبت بلدية الهرمل على استعمال هذا الحجر الصخري الطبيعي منذ انتخاب مجلسها عام 1992، فألبست البلدة بذلك حلّة أثرية جميلة. وفي الفترة الأخيرة راج استخدام هذا الحجر بشكل كثيف في البلدة ليغطي من جديد واجهات المنازل.
ولدت فكرة عودة استخدام الحجر البرتقالي، كما أوضح المهندس عبد الغني بليبل المشرف على المشروع، عندما باشر مجلس البلدية بتوسيع مدخل البلدة عند وادي العاصي حيث جرفت الطبقات الصخرية، وقال: “لفتت نظرنا هذه الصخور التي تتميز بلونها البرتقالي الذي يكاد يكون فريداً، علماً أن العديد من منازل الهرمل القديمة التي لا تزال قائمة قد بنيت بهذا الحجر، فقمنا باستعماله عوضاً عن الإسمنت في العديد من الأماكن وبشكل فني وتقني مدروس”.
وتحدث بليبل عن “توجه عالمي لاستعمال مواد بيئية في العمارة، ويأتي قرارنا باستخدام الحجر البرتقالي ليكون منسجماً مع النسيج المعماري القائم في البلدة الذي شوهته عشوائية الباطون وتكاد تقضي عليه، فنحن نحاول أن نضفي مسحة جمالية على البلدة بغية رفع الذوق العام وتطوير الحس الجمالي”.
المحافظة على جودة الحجر البرتقالي ومتانته لا تكلف الكثير فالمتر المربع من جدار الدعم الذي تصل سماكتها أحياناً إلى سبعين سنتيمتراً لا تتجاوز كلفته 25 دولاراً بينما تقوم الإدارات الرسمية بتلزيم جدران دعم ركامية باطونية بـ 33 دولاراً للمتر المربع الواحد.
تركز المنتديات والجمعيات التراثية حملتها على دعوات تطلقها لمنع أهالي البلدة من العبث بالواجهات المعمارية المتبقية والمطالبة برصد الأموال اللازمة لترميمها ووضع جدول مواصفات ملزم لأصحاب البيوت القديمة الراغبين باستخدام الحجر البرتقالي وتقديم المساعدات اللازمة لهم مادياً وهندسياً لتظهر هذه البيوت التراثية بأجمل حلة. مشروع بلدية الهرمل يلقى ترحيباً كبيراً من أبناء البلدة، فمنهم من سعى إلى المحافظة على ما تبقى من معالم أثرية قديمة ومنهم من قام بترميم ما لديه ومنهم من استعان برؤية الكبار الفنية وأفكارهم فشيّد منزله أو زيّن حديقته أو سور بستانه حسب الهندسة القديمة الفائقة الجمال.
يعيد هذا المشروع الى الهرمل هويتها المعمارية الضائعة وسط الزحف الإسمنتي، ولا سيما أن بيوت البلدة القديمة تتميز بتفاصيلها المعمارية النادرة على مستوى النحت من جهة وعلى مستوى طرائق المعالجة التي أجادت استعمال الحجر الطبيعي من جهة أخرى.
لمسة تراث جمالية ستضاف إلى البلدة الغارقة في الإهمال والبعيدة جداً عن عيون المسؤولين في لبنان وقلوبهم منذ عشرات السنين، فمشاريع تنميتها تبقى في الأدراج، وقلّ ما يلتفت مسؤول متنفذ إلى شؤون أبنائها وشجونهم.