strong>لا يدرك من لا يحفظ تاريخ لبنان الحديث أن هدوء مدينة شتورا البقاعية «خادع»، فهي تحتل موقعاً مهماً في جغرافيا لبنان ومحطاته السياسية والتاريخية. فالمدينة التي تتوسط سهل البقاع، وتعتبر همزة وصل اسـتـراتـيـجـيـة بين مـعـظـم المناطق اللبنانية، وبين لبنان والعالم الـعـربي. تحولت
فنادقها ومطاعمها الى «نقاط» مهمة تشهد على حقبة أو حقبات تاريخية «دوّنتها» بصور متنوعة بالأبيض والأسود، تحكي قصة شتورا وجديتا مدى قرن من الزمن تقريباً

نيبال الحايك

«زمن» شتورا الذي لا يأفل منذ أن «شقّتها» الطريق الدولية، صنع لها مجداً يفتخر به أصحاب المؤسسات السياحية وأهاليها الذين يتحدثون عن مدينتهم وعما شهدته من محطات تاريخية لا يمكن أحداً أن ينساها. ففي شتورا انتخب أول رئيس لجمهورية لبنان الثانية وهو الرئيس الراحل الياس الهراوي، وشهدت أروقة فنادقها و«طاولات» مطاعمها أهم الأحداث والقرارات السياسية التي غيّرت مسارات البلاد وأحداثها التي عصفت بالوطن عقوداً.
يعتبر مطعم وكازينو عقل في شتورا من أقدم المؤسسات السياحية العاملة حتى الآن. منذ عام 1911 يخزّن «عقل» ذاكرة جميلة عن شتورا ـ جديتا، يتحدث عنها خليل عقل. ولكن فندق مسابكي هو الأقدم في شتورا، وقد أوصدت أبوابه مدى عقدين من الزمن، وهو مهدد اليوم بالإقفال نتيجة تراجع حركة السياحة وغياب الاهتمام الرسميفندق مسابكي الذي كان يطلق عليه في السابق «أوتيل مودرن» بُني عام 1900، وكان «خاناً» لآل «بولاد» انتقلت ملكيته لاحقاً الى آل «لوبران» وحُوّل الى فندق عصري وأطلق عليه اسم «أوتيل مودرن» ومن ثم تملكته عائلة «مسابكي» عام 1930 وأطلقت اسم العائلة عليه.شهد «أوتيل» مسابكي محطات سياسية مهمة جداً. ففي غرفه و«صالاته» حصلت مباحثات ومفاوضات لبنانية ـ سورية، ولبنانية ـ عربية، ولبنانية ـ دولية. وزاره مقيماً ومستجماً و«مفاوضاً» كل من الملك السعودي الراحل فيصل الثاني، والرئيس السوري الراحل شكري القوتلي، وملك اليمن الراحل سيف الإسلام، ووفود ملكية مصرية، بالاضافة الى مئات الشخصيات الغربية ورجال الفكر والأدب والصحافة والفن والدين.
هذه المحطات «تؤرخها» جدران أوتيل مسابكي. فالصور تنتشر كيفما جلت في الفندق. تتحدث عن محطات تاريخية وعن «مجد» سياحي كبير، يتحدث عنه خليل عقل، صاحب «مطعم وكازينو» عقل الشهير في شتوراشهد هذا «المطعم» سلسلة أحداث وتحولات خلال الحرب الكونية الأولى، تحول مع العديد من «لوكندات» زحلة الى ثكنات ومستشفيات للجيش التركي. ولكن «عقل» بقي صامداً حتى في أحلك أيام الحرب الأهلية اللبنانية. استضاف هذا المطعم «سلسلة» كبيرة من اللقاءات السياسية. وكان من أبرز رواده الرؤساء بشارة الخوري، وكميل شمعون، ورشيد كرامي، وحبيب أبو شهلا، وكمال جنبلاط، وغيرهم من شخصيات ستينيات القرن الماضي، وقادة البلاد ما بعد التسعينيات.
«أرشيف» مطعم عقل من صور الأبيض والأسود كبير جداً، يتحدث عن حقبة مهمة في تاريخ لبنان ينظر إليها خليل عقل بفرح وهو يقلّبها وينفض عنها «غبار» الأيام الجميلة.
ومن «الأمكنة» المهمة في شتورا ـ جديتا، البارك أوتيل شتورا الذي أسسه عام 1975 الوزير السابق نقولا خوري.
جمع «بارك أوتيل» تجدده الجمالي مع تراث الماضي والفن المعاصر حيث بذل الفنانون والمهندسون جهوداً كي يصبح البارك أوتيل مزيجاً من سحر الشرق وطراز الغرب بحيث أصبح «تحفة فنية في قلب البقاع».
عرفت قاعات البارك أوتيل العديد من المؤتمرات واللقاءات ونزل فيه عدد كبير ومهم من الشخصيات السياسية والفنية، واستضاف مؤتمر وزراء الخارجية العرب في عامي 1960 و1962 ومؤتمر وزراء العمل العرب، ولكنه كان شاهداً على الزيارة «اليتيمة» للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للبنان في عام 1975 حيث عقد لقاء قمة مع الرئيس الراحل سليمان فرنجية. وشهد الفندق قسم اليمين الدستوري للرئيس الراحل الياس سركيس في عام 1976. وفي عام 1989 انتخب نواب لبنان الراحل الياس الهراوي رئيساً للجمهورية، وتشكلت في أروقة «الأوتيل» أول حكومة في عهد الهراوي. ومن أبرز زوار البارك: أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، وفيروز وصباح وغيرهم من عمالقة الفن الراحل.