خالد الغربي

هناك في ساحة باب السراي في قلب صيدا القديمة محترف تقليدي يحتضن جزءاً من الذاكرة المنسية لحرف يدوية قديمة.
“في مكان تاريخي داخل أحياء المدينة القديمة” اتخذ صلاح الدين المهتار قبل سنوات موقعاً لمحترف يحمل اسمه لإحياء “التراث الشعبي” بعدما شعر بأن هذا التراث بات مهدداً بفعل “العصرنة” والحداثة التي تطيح كل الموروثات الجميلة، لذلك كانت فكرة إنشاء المحترف.
خلال فترات طويلة قام المهتار بتجميع مئات القطع والأدوات “العتيقة” التي يبسطها في غرفتين أشبه بصالة عرض أثرية، ويقول عنها: “إنها ليست <<كراكيب>> بل <<خزانة>> من التاريخ الذي يجب أن نحميه من الاندثار والتقهقر”.
ويقوم صاحب المحترف بتصنيع تحف فنية ومنحوتات، منها الخشبي ومنها النحاسي، لا تدل فقط على أصالة البلد وعاداته القديمة، بل تشير كذلك الى بعض الأشياء المستخدمة سابقاً في المنازل، سواء تلك التي كانت تزين “البيوتات” القديمة كالنقوش الخشبية والقناديل وأباريق النحاس والفخاريات والمنمنمات الجميلة، أو تلك الادوات التي استخدمت في الحياة اليومية كـ “الجاروشة”، فضلاً عن الحلى والتذكارات التي ترمز الى التاريخ الذي عرفته صيدا.
ويضيف المهتار بصوت تربكه الحسرة إن “الأجانب يقدرون الأشياء الجميلة والتاريخية أكثر منا، لقد جاءني صدفة قبل أشهر السفير الكوبي في لبنان وعندما شاهد المحترف مدحني وأثنى علي وقبلني لدرجة ظن الجيران والزبائن الآخرين أنه صديق لي، وردد أمامي أنه يتمنى علي أن أزور كوبا لأعرض ما تصنعه يداي”. كلمات السفير الكوبي بلسمت بعض جراح المهتار لكنه لم تنسه “الاجحاف المحلي في حقه”، وهو يقول: “هنا في بلدي لا يقدرون الفن ولا يهتمون لقيمة التحف الفنية القديمة”.
صاحب “محترف صلاح الدين المهتار لإحياء التراث” لا زال يعمل ويفخر بعمله رغم أنه لا يلقى التشجيع اللازم، وهو قادر على تخطي المرارة التي يخلقها الشعور باستهتار الآخرين بعمله. لكن ما يشغل باله هو الخوف من أن يـــأتي ذلك الـــيوم الذي يرحل فيه فــتُرمى الأشــيـــاء الجميلة التي يصنعها في البحر وتقفل أبواب المحترف الذي يؤرخ لحقب تاريخية.