خالد صاغية
الإمبراطورية بحاجة إلى فئران. في بعض الأحيان، ترسلها إلى مختبر الديموقراطية والتحديث. وفي أحيان أخرى، تُجري عليها تجارب حربية. نحن، شعوب المستعمرات السابقة، لسنا سوى فئران. حين نهتف في الساحات، نهتف كالفئران. وحين نموت تحت الركام، نموت كالفئران.
إلا أنّنا، نحن اللبنانيين، نوع مميّز من فئران المختبر. تكمن فرادتنا في اختيارنا لأداء دور الفأر مرّتين، في سنتين متتاليتين، وفي اتّجاهين معاكسين. في المرّة الأولى، كنّا الفأر الذي، في حال نجاح التجربة المخبرية، سيعمَّم نموذجه على بلدان الشرق الأوسط الكبير أو الجديد. كنّا الفأر الذي يُحوَّل بكبسة زرّ إلى أرنب سعيد يقود ثورة سعيدة بثوّار سعداء. وفي المرّة الثانية، كنّا الفأر الذي سيعمّم نموذجه على بلدان «محور الشرّ». كنّا الفأر الذي يُحوَّل بكبسة زرّ إلى غراب يبشّر بالرعب والخراب الآتيين من الجوّ، من طائرات لا ترى وجوه ضحاياها، وضحايا لا يرون وجوه القتلة.
ليست المرّة الأولى التي تستخدم فيها الإمبراطورية شعوباً بأكملها كحقل تجارب، في السياسة كما في الاقتصاد. سبق للجنرال أوغستو بينوشيه أن دُعي إلى تقديم شعب التشيلي كفأر لاختبار وصفات اقتصادية جديدة، قبل أن يستخدمها رونالد ريغان ومارغريت تاتشر ويعمّماها على العالم. كانت تشيلي التي تطوّع بعض عسكريّيها لتنفيذ مخطّط «السي. آي. إيه» للانقلاب على حكم اشتراكي نموذجية لتجربة مرّة كهذه. واليوم، لم يقع الاختيار على لبنان إلا بعدما تطوّع كثيرون من أبنائه لتقديمه كفأر، لا كبلد.