لقاهرة ــ محمد شعير
حفظ العالم المصري أحمد مستجير، وكان ذكاؤه الخارق محطّ إعجاب، لكن عقله الذي فهم الكثير من أسرار الكون لم يحتمل الصور المتتابعة التى تبثها شاشات التلفزيون عن الدمار فى الجنوب اللبنانى، فانفجر الدماغهكذا كانت نهاية المترجم وعالم الوراثة المصري الشهير أحمد مستجير، الذي غيّبه الموت أمس عن 72 عاماً، خلال زيارته السنوية إلى النمسا حيث يقيم أبناؤه.
وأكّد صديقه الصحافي منير عامر، أن مستجير دخل فى غيبوبة منذ أسبوع أثناء متابعته لمسلسل الموت الأرعن في لبنان‏،

وبعدما انتهى من مشاهدة نشرة الأخبار، بدأ في تفريغ كل ما في معدته‏،‏ ثم راح في إغماءة‏!‏ فاتصلت الزوجة بالطبيب الخاص في القرية، الذي جاء بعد دقائق قليلة‏، ليتصل بدوره بالإسعاف الطائر. ونقل مستجير إلى أحد أكبر مستشفيات النمسا‏.‏
وقال الأطباء إنه عانى انفجاراً في شرايين المخ‏، وأجروا له عمليتين لـــــتســـــيــــــيل الدم المـــتجـــمّع في الجمجـــــــمة‏، لكنهم لم يستطيعوا إنقاذه!
يشتهر مستجير “الأديب المتنكر في صورة العالم”، نظراً لتعدد إسهاماته في أكثر من ميدان علمي وأدبـي وإنسانـي، ولهذا السبب وصف نفسه مرة: “أنا موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر... وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في الـ(نحن) وأحنّ إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة، فأنا مطمئن أرنو إلى القلق”.
بدأ مستجير حياته العملية بالدراسة فى كلية الزراعة، ثم حصل على الماجستير من المركز القومي للبحوث عام 1958، حين تعرف إلى آلان روبرتسون أستاذ علم الوراثة الإنكليزي الشهير، فطلب منه مساعدته للالتحاق بمعهد الوراثة في جامعة أدنبرة. وهكذا كان. نال عام 1961 دبلوم وراثة الحيوان بامتياز، وكانت المرة الأولى في تاريخ المعهد التي حصل فيها طالب على هذا التقدير. ثم حصل نال شهادة الدكتوراه في المجال نفسه. وقد حاول عبر دراساته المتعددة، وضع العلم في خدمة الإنسان، وتوفير الغذاء لمن يموتون جوعاً، فحشد جهوده لتطوير مفهوم الزراعة واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل والإنتاج الحيواني، فأسس مركز علوم الوراثة، وأصبح رائد علم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي. وكان يردد دائماً: “في عالمنا الآن أطفال يولدون للشقاء، لليل طويل من دون نهاية! في جعبة العلم الكثير الكثير، في جعبته طعام وبسمة لكل فم”.
ورغم اكتشافاته العلمية لم ينس يوماً عشقه للأدب وصداقته للشاعر الراحل صلاح عبد الصبور. ورأى أن جوهر الشعر هو علم الرياضيات‏، وضمير الشعر هو الخيال‏، والخيال هو الحصان الذي يمتطيه أي عالم من أجل أي جديد في التجريب أو الاكتشاف‏.‏ ومن أبرز جهوده الأدبية كتاباته في فلسفة اللغة وعروض الشعر، حيث استطاع أن يحوّل علم العروض العربي إلى معادلات رياضية، وهو ما تضمّنه كتابه (مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي)‏. ولهذه المحاولات، تم انتُخب عضواً في المجمع اللغوي (مجمع الخالدين)!