رلى راشد
نذكر اسم فيديريكو غارثيا لوركا فيحضر في برهة مشهد اغتياله، حين رحل في أحد أيام آب عام 1936، والفجر يطلّ برأسه.
بعد سبعين عاماً على رحيل لوركا “الغامض” شهيداً لمناهضته الفاشية، يكشف وثائقي اسباني من 100 دقيقة أن صاحب “يرما” لم يغتل لدوافع سياسية محضة، بل نتيجة صراعات عائلية.
“عندما يخمد البحر” (El mar deja de moverse )، وثائقي للمخرج اميليو رويث باراتشينا، يسلط اضاءات جديدة على ملابسات اغتيال لوركا، ويروي حكاية استغلال عائلته لانقلاب “ايل كاودييو” او الجنرال فرانكو العسكري عام 1936 لتصفية حسابات شخصية.
يبدأ عرض الوثائقي في الصالات الاسبانية في ايلول المقبل، ويروي فيه الأكاديمي ميغيل فرانسيسكو كاباييرو أن قاتل لوركا خوان لويس تريسكاسترو هو اليد اليمنى لأبناء عائلة رولدان. وكانت الصراعات قوية بينهم وبين أبناء آل ألبا وآل غارسيا رودريغيز (عائلة والد الشاعر) للاستئثار بالنفوذ في غرناطة.
وفي رأي كاباييرو فإن صراعات هذه الأسر التقليدية معطوفة على قضايا مالية وقفت وراء الجريمة التي “ألبست ثوب القضية السياسية”، لكن كاباييرو لم يُغفل نهائياً البعد السياسي للجريمة، إذ إن كل المتورطين في مقتل لوركا انتموا الى حزب “الحركة الشعبية” اليمينية المتطرّفة، في حين كان والد لوركا جمهورياً. وقد تفجّرت على ما يبدو الأحقاد بين العائلات الثلاث بعد صدور عمل لوركا المسرحي “منزل بيرناردا البا” عام 1936 المُغرق في الجمالية والذي تفوّق فيه على صوت الرياديين التجريبي وعلى استسهال الفن التجاري الشعبوي. أقارب لوركا لم يروا في العمل سوى تصوير دقيق لسلوكيات أسرة ألبا التي تربطها قرابة بعائلة رولدان. ويرى المخرج باراتشينا أن الاغتيال كان عملية “أخذ بالثأر”، علماً ان عائلة لوركا قد ساهمت مساهمة كبيرة في انجاز الوثائقي من خلال سماحها بمراجعة مجموعة وثائق غير منشورة.
وتضمّن الوثائقي تسجيلاً انجز في السرّ عام 1966 وأمّنه الكاتب أيان غيبسون الذي كرس جزءاً كبيراً من حياته للوركا، كشف خلاله مانويل كاستييا الذي تولى خلال الحرب الاهلية عملية دفن جثمان لوركا مصير رفات صاحب “شاعر في نيويورك”.
تجدر الإشارة إلى أن أسرتي مصارعَي الثيران واستاذ المدرسة اللذين دفنا مع لوركا تطالب بنبش رفاتهما بغية التعرف اليهما، وتتبنى مطلبهما جمعية ARMH الجمهورية التي تسعى إلى كشف المقابر الجماعية التي خلفها حكم فرانكو، ولكن عائلة لوركا تعارض نبش المقبرة. هل ستنجح الجمعية في مسعاها؟ الاجابة صعبة، ولكن أياً يكن الأمر فسيقصد هذه السنة أيضاً شعراء ومغنون اندلسيون وادي فيزنار الذي يحتضن المقبرة ليستعيدوا لحظة بزوغ فجر حزين قرب غرناطة قبل سبعين عاماً.